فيتعين بكل نسبة قطعة تغاير القطعة الأخرى، وأما نفس الحركة فسيلان وجريان واحد شخصي، ونحن ربما سمينا هذا الوصف في الحركة إطلاقا في مقابل النسب التي لها إلى كل حد حد، فنقول: الحركة المطلقة بمعنى قطع النظر عن إضافتها إلى الحدود.
ومن هنا يظهر أن المطلق بالمعنى الثاني أمر واقعي موجود في الخارج، بخلاف المطلق بالمعنى الأول فإن الاطلاق بهذا المعنى وصف ذهني لموجود ذهني، هذا.
ثم إنا لا نشك ان الانسان موجود طبيعي ذو افراد واحكام وخواص وان الذي توجده الخلقة هو الفرد من أفراد الانسان دون مجموع الافراد أعني الاجتماع الانساني إلا ان الخلقة لما أحست بنقص وجوده، واحتياجه إلى استكمالات لا تتم له وحده، جهزه بأدوات وقوى تلائم سعيه للاستكمال في ظرف الاجتماع وضمن الافراد المجتمعين، فطبيعة الانسان الفرد مقصود للخلقه اولا وبالذات والاجتماع مقصود لها ثانيا وبالتبع.
وأما حقيقة أمر الانسان مع هذا الاجتماع الذي تقتضيه وتتحرك إليه الطبيعة الانسانية (إن صح إطلاق الاقتضاء والعلية والتحرك في مورد الاجتماع حقيقة فإن الفرد من الانسان موجود شخصي واحد بالمعنى الذي تقدم من شخصيته ووحدته، وهو مع ذلك واقع في الحركة، متبدل متحول إلى الكمال، ومن هنا كان كل قطعة من قطعات وجوده المتبدل مغايرة لغيرها من القطعات، وهو مع ذلك ذو طبيعة سيالة مطلقة محفوظة في مراحل التغيرات واحدة شخصية، وهذه الطبيعة الموجودة في الفرد محفوظة بالتوالد والتناسل واشتقاق الفرد من الفرد - وهي التي نعبر عنها بالطبيعة النوعية - فإنها محفوظة بالافراد وإن تبدلت وعرض لها الفساد والكون، بمثل البيان الذي مر في خصوص الطبيعة الفردية، فالطبيعة الشخصية موجوده متوجهة إلى الكمال الفردي، والطبيعة النوعية موجودة مطلقة متوجهة إلى الكمال.
وهذا الاستكمال النوعي لا شك في وجوده وتحققه في نظام الطبيعة، وهو الذي نعتمد عليه في قولنا: إن النوع الانساني مثلا متوجه إلى الكمال، وإن الانسان اليوم أكمل وجودا من الانسان الاولي، وكذا ما تحكم به فرضية تحول الأنواع، فلو لا أن هناك طبيعة نوعية خارجية محفوظة في الافراد أو الأنواع مثلا لم يكن هذا الكلام إلا كلاما شعريا.