ربه، واستحضار أسمائه الحسنى، وصفاته الجميلة المنزهة عن النقص والشين ولا تزال تزيد نفسه انجذابا، وتترقى مراقبة حتى صار يعبد الله كأنه يراه وأن ربه يراه، ويتجلي له في مجالي الجذبة والمراقبة والحب فيأخذ الحب في الاشتداد لان الانسان مفطور على حب الجميل، وقد قال تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة - 165، وصار يتبع الرسول في جميع حركاته وسكناته لان حب الشئ يوجب حب آثاره، والرسول من آثاره وآياته كما أن العالم أيضا آثاره وآياته تعالى، ولا يزال يشتد هذا الحب ثم يشتد حتى ينقطع إليه من كل شئ، ولا يحب إلا ربه، ولا يخضع قلبه إلا لوجهه فان هذا العبد لا يعثر بشئ، ولا يقف على شئ وعنده شئ من الجمال والحسن إلا وجد أن ما عنده أنموذج يحكي ما عنده من كمال لا ينفد وجمال لا يتناهى وحسن لا يحد، فله الحسن والجمال والكمال والبهاء، وكل ما كان لغيره فهو له، لان كل ما سواه آية له ليس له إلا ذلك، والآية لا نفسية لها، وإنما هي حكاية تحكي صاحبها، وهذا العبد قد استولى سلطان الحب على قلبه، ولا يزال يستولي، ولا ينظر إلى شئ إلا لأنه آية من آيات ربه، وبالجملة فينقطع حبه عن كل شئ إلى ربه، فلا يحب شيئا إلا لله سبحانه وفي الله سبحانه.
وحينئذ يتبدل نحو إدراكه وعمله فلا يرى شيئا إلا ويرى الله سبحانه قبله ومعه، وتسقط الأشياء عنده من حيز الاستقلال فما عنده من صور العلم والادراك غير ما عند الناس لانهم إنما ينظرون إلى كل شئ من وراء حجاب الاستقلال بخلافه، هذا من جهة العلم، وكذلك الامر من جهة العمل فإنه إذا كان لا يحب إلا لله فلا يريد شيئا إلا لله وابتغاء وجهه الكريم، ولا يطلب ولا يقصد ولا يرجو ولا يخاف، ولا يختار، ولا يترك، ولا ييأس ولا يستوحش، ولا يرضى، ولا يسخط إلا لله وفي الله فيختلف أغراضه مع ما للناس من الأغراض وتتبدل غاية أفعاله فإنه قد كان إلى هذا الحين يختار الفعل ويقصد الكمال لأنه فضيلة انسانية، ويحذر الفعل أو الخلق لأنه رذيلة إنسانية.
وأما الآن وأما الآن يريد وجه ربه، ولا هم له في فضيلة ولا رذيلة، ولا شغل له بثناء جميل، وذكر محمود، ولا التفات له إلى دنيا أو آخرة أو جنة أو نار، وإنما همه ربه، وزاده ذل عبوديته، ودليله حبه.
روت لي أحاديث الغرام صبابة. بإسنادها عن جيرة العلم الفرد.
وحدثني مر النسيم عن الصبا. عن الدوح عن وادي الغضا عن ربى نجد.