والجرئة والحياء، والغيرة والنصيحة، والكرامة والتواضع، وغيرها، هي فروع الأخلاق الفاضلة المضبوطة في كتب الأخلاق (وهاك شجرة تبين أصولا وتفرع فروعها) وعلم الأخلاق يبين حد كل واحد منها ويميزها من جانبيها في الافراط والتفريط، ثم يبين أنها حسنة جميلة ثم يشير إلى كيفية اتخاذها ملكة في النفس من طريقي العلم والعمل أعني الاذعان بناءها حسنة جميلة، وتكرار العمل بها حتى تصير هيئة راسخة في النفس.
مثاله أن يقال إن الجبن إنما يحصل من تمكن الخوف من النفس، والخوف إنما يكون من أمر ممكن الوقوع وعدم الوقوع، والمساوي الطرفين يقبح ترجيح أحد طرفيه على الآخر من غير مرجح والانسان العاقل لا ينبغي له ذلك فلا ينبغي للانسان أن يخاف.
فإذا لقن الانسان نفسه هذا القول ثم كرر الاقدام والورود في المخاوف والمهاول زالت عنه رذيلة الخوف، وهكذا الامر في غيره من الرذائل والفضائل.
فهذا ما يقتضيه المسلك الأول على ما تقدم في البيان وخلاصته إصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل.
ونظيره ما يقتضيه المسلك الثاني، وهو مسلك الأنبياء وأرباب الشرائع، وإنما التفاوت من حيث الغرض والغاية، فإن غاية الاستكمال الخلقي في المسلك الأول الفضيلة المحمودة عند الناس والثناء الجميل منهم، وغايته في المسلك الثاني السعادة الحقيقية للانسان وهو استكمال الايمان بالله وآياته، والخبر الأخروي وهي سعادة وكمال في الواقع لا عند الناس فقط، ومع ذلك فالمسلكان يشتركان في أن الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الانسانية من حيث العمل.
وأما المسلك الثالث المتقدم بيانه فيفارق الأولين بأن الغرض فيه ابتغاء وجه الله لا اقتناء الفضيلة الانسانية ولذلك ربما اختلف المقاصد التي فيه مع ما في المسلكين الأولين فربما كان الاعتدال الخلقي فيه غير الاعتدال الذي فيهما وعلى هذا القياس، بيان ذلك أن العبد إذا أخذ إيمانه في الاشتداد والازدياد انجذبت نفسه إلى التفكير في ناحية