والاتصاف بها سعادته العلمية، فيصدر عنه من الافعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الانساني) يظفر ببحثه أن الأخلاق الانسانية تنتهي إلى قوى عامه ثلاثة فيه هي الباعثة للنفس على اتخاذ العلوم العملية التي تستند وتنتهي إليها أفعال النوع وتهيئتها وتعبيتها عنده، وهي القوى الثلاث: الشهوية والغضبية والنطقية الفكرية، فإن جميع الأعمال والافعال الصادرة عن الانسان إما من قبيل الافعال المنسوبة إلى جلب المنفعة كالاكل والشرب واللبس وغيرها، وإما من الافعال المنسوبة إلى دفع المضرة كدفاع الانسان عن نفسه وعرضه وماله ونحو ذلك، وهذه الأفعال هي الصادرة عن المبدا الغضبي كما أن القسم السابق عليها صادر عن المبدا الشهوي، وإما من الأعمال المنسوبة إلى التصور والتصديق الفكري، كتأليف القياس وإقامة الحجة وغير ذلك وهذه الأفعال صادرة عن القوة النطقية الفكرية، ولما كانت ذات الانسان كالمؤلفة، المركبة من هذه القوى الثلاث التي باتحادها وحصول الوحدة التركيبية منها يصدر أفعال خاصة نوعية، ويبلغ الانسان سعادته التي من أجلها جعل هذا التركيب، فمن الواجب لهذا النوع إن لا يدع قوة من هذه القوى الثلاث تسلك مسلك الافراط أو التفريط، وتميل عن حاق الوسط إلى طرفي الزيادة والنقيصة، فإن في ذلك خروج جزء المركب عن المقدار المأخوذ منه في جعل أصل التركيب وفي ذلك خروج المركب عن كونه ذاك المركب ولازمه بطلان غاية التركيب التي هي سعادة النوع.
وحد الاعتدال في القوة الشهوية - وهي استعمالها على ما ينبغي كما وكيفا - يسمي عفة، والجانبان في الافراط والتفريط الشره والخمود، وحد الاعتدال في القوة الغضبية هي الشجاعة والجانبان التهور والجبن، وحد الاعتدال في القوة الفكرية تسمي حكمة والجانبان الجربزة والبلادة، وتحصل في النفس من اجتماع هذه الملكات ملكة رابعة هي كالمزاج من الممتزج، وهي التي تسمى عدالة، وهي إعطاء كل ذي حق من القوي حقة، ووضعه في موضعه الذي ينبغي له، والجانبان فيها الظلم والانظلام.
فهذه أصول الأخلاق الفاضلة أعني: العفة والشجاعة والحكمة والعدالة، ولكل منها فروغ ناشئة منها راجعة بحسب التحليل إليها، نسبتها إلى الأصول المذكورة كنسبة النوع إلى الجنس، كالجود والسخاء، والقناعة والشكر، والصبر والشهامة،