نسخ حكما رفعه من حين النسخ، لا من أصله، لرأفته ورحمته بالمؤمنين، وهذا ما أشار إليه بقوله: وما كان الله ليضيع أعمالكم، ان الله بالناس لرؤوف رحيم. والفرق بين الرأفة والرحمة، بعد اشتراكهما في أصل المعنى، ان الرأفة يختص بالمبتلى المفتاق، والرحمة أعلم.
قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها، الآية تدل على أن رسول الله قبل نزول آية القبلة - وهي هذه الآية - كان يقلب وجهه في آفاق السماء، وان ذلك كان انتظارا منه، أو توقعا لنزول الوحي في أمر القبلة، لما كان يحب ان يكرمه الله تعالى بقبلة تختص به، لا انه كان لا يرتضى بيت المقدس قبلة، وحاشا رسول الله من ذلك، كما قال تعالى: فلنولينك قبلة ترضيها، فان الرضا بشئ لا يوجب السخط بخلافه بل اليهود على ما في الروايات الواردة في شأن نزول الآية كانوا يعيرون المسلمين في تبعية قبلتهم، ويتفاخرون بذلك عليهم، فحزن رسول الله ذلك، فخرج في سواد الليل يقلب وجهه إلى السماء ينتظر الوحي من الله سبحانه، وكشف همه فنزلت الآية، ولو نزلت على البقاء بالقبلة السابقة لكانت حجة له صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود، وليس ولم يكن لرسول الله ولا للمسلمين عارفي استقبال قبلتهم، إذ ليس للعبد إلا الإطاعة والقبول، لكن نزلت بقبلة جديدة، فقطع تعييرهم وتفاخرهم، مضافا إلى تعيين التكليف، فكانت حجة ورضى.
قوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره. الشطر البعض، وشطر المسجد الحرام هو الكعبة، وفي قوله تعالى شطر المسجد الحرام دون ان يقال: فول وجهك الكعبة، أو يقال: فول وجهك البيت الحرام، محاذاة للحكم في القبلة السابقة فإنها كانت شطر المسجد الأقصى، وهي الصخرة المعروفة هناك، فبدلت من شطر المسجد الحرام - وهي الكعبة - على أن إضافة الشطر إلى المسجد وتوصيف المسجد، بالحرام يعطي مزايا للحكم تفوت لو قيل: الكعبة أو البيت الحرام.
وتخصيص رسول الله بالحكم أولا بقوله فول وجهك، ثم تعميم الحكم له ولغيره من المؤمنين بقوله وحيث ما كنتم يؤيد ان القبلة حولت، ورسول الله قائم يصلي في