وثالثتها: رجاء الاهتداء إلى الصراط المستقيم، وقد مر معنى الاهتداء في الكلام على معنى قوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم) فاتحة الكتاب - 6.
وذكر بعض المفسرين أن اشتمال هذه الآية - وهي آية تحويل القبلة - على قوله وليتم نعمته عليكم ولعلكم تهتدون، مع اشتمال قوله تعالى في سورة الفتح في ذكر فتح مكة على هاتين الجملتين، إذ قال تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) الفتح - 2 يدل على كونها مشتملة على البشارة بفتح مكة.
بيان ذلك أن الكعبة كانت مشغولة في صدر الاسلام بأصنام المشركين وأوثانهم وكان السلطان معهم، والاسلام لم يقو بعد بحيث يظهر قهره وقدرته، فهدى الله رسوله إلى استقبال بيت المقدس، لكونه قبلة لليهود، الذين هم أقرب في دينهم من المشركين إلى الاسلام، ثم لما ظهر أمر الاسلام بهجرة رسول الله إلى المدينة، وقرب زمان الفتح وتوقع تطهير البيت من أرجاس الأصنام جاء الامر بتحويل القبلة وهي النعمة العظيمة التي اختص به المسلمون، ووعد في آية التحويل إتمام النعمة والهداية وهو خلوص الكعبة من أدناس الأوثان، وتعينها لان تكون قبله يعبد الله إليها، ويكون المسلمون هم المختصون بها، وهي المختصة بهم، فهي بشارة بفتح مكة، ثم لما ذكر فتح مكة حين فتحت أشار إلى ما وعدهم به من إتمام النعمة والبشارة بقوله ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما الآية.
وهذا الكلام وإن كان بظاهره وجيها لكنه خال عن التدبر، فإن ظاهر الآيات لا يساعد عليه، إذ الدال على وعد إتمام النعمة في هذه الآية: ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون، الآية إنما هو لام الغاية، وآية سورة الفتح التي أخذها انجازا لهذا الوعد ومصداقا لهذه البشارة أعني قوله تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، مشتملة على هذه اللام بعينها، فالآيتان جميعا مشتملتان على الوعد الجميل بإتمام النعمة، على أن آية الحج مشتملة على وعد إتمام النعمة لجميع المسلمين، وآية الفتح على ذلك لرسول الله خاصة فالسياق في الآيتين مختلف.
ولو كان هناك آية تحكي عن انجاز الوعد الذي تشتمل عليه الآيتان لكان هو قوله