حيث قال (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) البقرة - 129، فتكونون أمة مسلمة أودع الرسول في قلوبكم علم الكتاب والحكمة، ومزكين بتزكيته، والتزكية التطهير من قذرات القلوب، وتخليصها للعبودية، وهو معنى الاسلام كما مر بيانه، فتكونون مسلمين خالصين في عبوديتكم، وللرسول في ذلك القدم الأول والهداية والتربية، فله التقدم على الجميع، ولكم التوسط باللحوق به، والناس في جانب وفي أول الآية وآخرها قرائن تدل على المعنى الذي استفدناه منها غير خفية على المتدبر فيها نبينها في محله انشاء الله.
فقد تبين بما قدمناه: اولا، أن كون الأمة وسطا مستتبع للغايتين جميعا، وأن قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا الآية جميعا لازم كونهم وسطا.
وثانيا: أن كون الأمة وسطا إنما هو بتخللها بين الرسول وبين الناس، لا بتخللها بين طرفي الافراط والتفريط، وجانبي تقوية الروح وتقوية الجسم في الناس.
وثالثا: أن الآية بحسب المعنى مرتبطة بآيات دعوة إبراهيم عليه السلام وان الشهادة من شؤون الأمة المسلمة.
واعلم: أن الشهادة على الأعمال على ما يفيده كلامه تعالى لا يختص بالشهداء من الناس، بل كل ما له تعلق ما بالعمل كالملائكة والزمان والمكان والدين والكتاب والجوارح والحواس والقلب فله فيه شهادة.
ويستفاد منها أن الذي يحضر منها يوم القيامة هو الذي في هذه النشأة الدنيوية وأن لها نحوا من الحياة الشاعرة بها، تتحمل بها خصوصيات الأعمال، وترتسم هي فيها، وليس من اللازم ان تكون الحياة التي في كل شئ، سنخا واحدا كحيوة جنس الحيوان، ذات خواص وآثار كخواصها وآثارها، حتى تدفعه الضرورة فلا دليل على انحصار أنحاء الحياة في نحو واحد، هذا إجمال القول في هذا المقام وأما تفصيل القول في كل واحد واحد منها فموكول إلى محله اللائق به.
قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن