ينقلب على عقبيه، المراد بقوله لنعلم: اما علم الرسل والأنبياء مثلا، لان العظماء يتكلمون عنهم وعن اتباعهم، كقول الأمير، قتلنا فلانا وسجنا فلانا، وإنما قتله وسجنه اتباعه لأنفسه، واما العلم العيني الفعلي منه تعالى الحاصل مع الخلقة والايجاد، دون العلم قبل الايجاد.
والانقلاب على العقبين كناية عن الاعراض، فان الانسان - وهو منتصب على عقبيه - إذا انقلب من جهة إلى جهة، انقلب على عقبيه، فجعل كناية عن الاعراض نظير قوله (ومن يولهم يومئذ دبره) الأنفال - 16، وظاهر الآية انه دفع لما يختلج في صدور المؤمنين: من تغيير القبلة ونسخها، ومن جهة الصلوات التي صلوها إلى القبلة، ما شأنها؟
ويظهر من ذلك أن المراد بالقبلة التي كان رسول الله عليها، هو بيت المقدس دون الكعبة، فلا دليل على جعل بيت المقدس قبلة مرتين، وجعل الكعبة قبلة مرتين، إذ لو كان المراد من القبلة في الآية الكعبة كان لازم ذلك ما ذكر.
وبالجملة كان من المترقب ان يختلج في صدور المؤمنين: أولا، انه لما كان من المقدر ان يستقر القبلة بالآخرة على الكعبة فما هو السبب، أولا: في جعل بيت المقدس قبلة؟
فبين سبحانه ان هذه الأحكام والتشريعات ليست إلا لأجل مصالح تعود إلى تربية الناس وتكميلهم، وتمحيص المؤمنين من غيرهم، وتمييز المطيعين من العاصين، والمنقادين من المتمردين، والسبب الداعي إلى جعل القبلة السابقة في حقكم أيضا هذا السبب بعينه، فالمراد بقوله الا لنعلم من يتبع الرسول، الا لنميز من يتبعك، والعدول من لفظ الخطاب إلى الغيبة لدخالة صفة الرسالة في هذا التميز، والمراد بجعل القبلة السابقة: جعلها في حق المسلمين، وان كان المراد أصل جعل بيت المقدس قبلة فالمراد مطلق الرسول، والكلام على رسله من غير التفات، غير أنه بعيد من الكلام بعض البعد.
وثانيا: ان الصلوات التي كان المسلمون صلوها إلى بيت المقدس كيف حالها، وقد صليت إلى غير القبلة؟ والجواب: ان القبلة قبله ما لم تنسخ، وان الله سبحانه إذا