القلوب، وعليه يدور حساب رب العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) البقرة - 225 - فهي مما ليس في وسع الانسان إحصائها والاحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده، ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله تعالى (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون:) الزخرف - 86، فإن عيسى داخل في المستثنى في هذه الآية قطعا - وقد شهد الله تعالى في حقه بأنه من الشهداء - كما مر في الآيتين السابقتين، فهو شهيد بالحق وعالم بالحقيقة.
والحاصل أن هذه الشهادة ليست هي كون الأمة على دين جامع للكمال الجسماني والروحاني فإن ذلك على أنه ليس معنى الشهادة خلاف ظاهر الآيات الشريفة.
بل هي تحمل حقائق أعمال الناس في الدنيا من سعادة أو شقاء، ورد وقبول، وانقياد وتمرد، وأداء ذلك في الآخرة يوم يستشهد الله من كل شئ، حتى من أعضاء الانسان، يوم يقول الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
ومن المعلوم أن هذه الكرامة ليست تنالها جميع الأمة، إذ ليست إلا كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، وأما من دونهم من المتوسطين في السعادة، والعدول من أهل الايمان فليس لهم ذلك، فضلا عن الاجلاف الجافية، والفراعنة، الطاغية من الأمة، وستعرف في قوله تعالى (ومن يطع الله والرسول فاؤلئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء - 69، ان أقل ما يتصف به الشهداء - وهم شهداء الأعمال - أنهم تحت ولاية الله ونعمته وأصحاب الصراط المستقيم، وقد مر إجمالا في قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) فاتحة الكتاب - 7.
فالمراد بكون الأمة شهيدة أن هذه الشهادة فيهم، كما أن المراد بكون بني إسرائيل فضلوا على العالمين، أن هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف به كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه، فكون الأمة شهيدة هو أن فيهم من يشهد على الناس ويشهد الرسول عليهم.