إليها ليكون أوقع في إيجاد التعجب وأوجب للاعتراض، وإنما قيل ما وليهم عن قبلتهم ولم يقل ما ولى النبي والمسلمين لما ذكرنا من الوجه، فلو قيل ما ولى النبي والمسلمين عن قبلة اليهود لم يكن التعجب واقعا موقعه وكان الجواب عنه ظاهرا لكل سامع بأدنى تنبه.
قوله تعالى: قل لله المشرق والمغرب، اقتصر من بين الجهات بهاتين لكونهما هما المعنيتين لسائر الجهات الأصلية والفرعية كالشمال والجنوب وما بين كل جهتين من الجهات الأربعة الأصلية، والمشرق والمغرب جهتان إضافيتان تتعينان بشروق الشمس أو النجوم وغروبهما، يعمان جميع نقاط الأرض غير نقطتين موهومتين هما نقطتا الشمال والجنوب الحقيقيتان، ولعل هذا هو الوجه في وضع المشرق والمغرب موضع الجهات.
قوله تعالى: يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، تنكير الصراط لان الصراط يختلف باختلاف الأمم في استعداداتها للهداية إلى الكمال والسعادة.
قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، الظاهر أن المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا (هو كما ترى)، وأما المراد بكونهم أمة وسطا شهداء على الناس فالوسط هو المتخلل بين الطرفين لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك الطرف، وهذ الأمة بالنسبة إلى الناس - وهم أهل الكتاب والمشركون - على هذا الوصف فإن بعضهم - وهم المشركون والوثنيون - إلى تقوية جانب الجسم محضا لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستكمال بملاذها وخارفها وزينتها، لا يرجون بعثا ولا نشورا، ولا يعبأون بشئ من الفضائل المعنوية والروحية، وبعضهم كالنصارى إلى تقوية جانب الروح لا يدعون إلا إلى الرهبانية ورفض الكمالات الجسمية التي أظهرها الله تعالى في مظاهر هذه النشأة المادية لتكون ذريعة كاملة إلى نيل ما خلق لأجله الانسان، فهؤلاء أصحاب الروح أبطلوا النتيجة بابطال سببها وأولئك أصحاب الجسم ابطلوا النتيجة بالوقوف على سببها والجمود عليها، لكن الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم دينا يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوي كلا من الجانبين - جانب الجسم وجانب الروح - على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين فإن الانسان مجموع الروح والجسم لا روح محضا ولا جسم محضا، ومحتاج