فصل لقصة، بل القصة مبينة على نحو الاجمال في الخطاب الذي في قوله: وإذ قتلتم نفسا الخ وشطر من القصة مأتية بها ببيان تفصيلي في صورة قصة أخرى لنكتة دعت إليه.
فقوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو كلام في صورة قصة وانما هي مقدمة توضيحية للخطاب التالي لم يذكر معها السبب الباعث على هذا الامر والغاية المقصودة منها بل أطلقت إطلاقا ليتنبه بذلك نفس السامع وتقف موقف التجسس، وتنتشط إذا سمعت أصل القصة، ونالت الارتباط بين الكلامين، ولذلك لما سمعت بنو إسرائيل قوله: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تعجبوا من ذلك ولم يحملوه إلا على أن نبي الله موسى يستهزء بهم لعدم وجود رابطة عندهم بين ذبح البقرة وما يسألونه من فصل الخصومة والحصول على القاتل قالوا أتتخذنا هزوا وسخرية.
وانما قالوا ذلك لفقدهم روح الإطاعة والسمع واستقرار ملكة الاستكبار والعتو فيهم، وقولهم: إنا لا نحوم حول التقليد المذموم، وانما نؤمن بما نشاهده ونراه كما قالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وانما وقعوا فيما وقعوا من جهة استقلالهم في الحكم والقضاء فيما لهم ذلك، وفيما ليس لهم ذلك فحكموا بالمحسوس على المعقول فطالبوا معاينة الرب بالحس الباصر وقالوا: (يا موسى إجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) الأعراف - 138، وزعموا أن نبيهم موسى مثلهم يتهوس كتهوسهم، ويلعب كلعبهم، فرموه بالاستهزاء والسفه والجهالة حتى رد عليهم، وقال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وانما استعاذ بالله ولم يخبر عن نفسه بأنه ليس يجاهل لان ذلك منه عليه السلام أخذ بالعصمة الإلهية التي لا تتخلف لا الحكمة الخلقية التي ربما تتخلف.
وزعموا أن ليس للانسان أن يقبل قولا إلا عن دليل، وهذا حق لكنهم غلطوا في زعمهم أن كل حكم يجب العثور على دليله تفصيلا ولا يكفي في ذلك الاجمال ومن أجل ذلك طالبوا تفصيل أوصاف البقرة لحكمهم أن نوع البقر ليس فيه خاصة الاحياء، فإن كان ولا بد فهو في فرد خاص منه يجب تعيينه بأوصاف كاملة البيان ولذلك قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، وهذا تشديد منهم على أنفسهم من غير جهة فشدد الله عليهم، وقال موسى إنه يقول إنها بقرة لا فارض، إي ليست بمسنة إنقطعت