يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون - 74. (بيان) قوله تعالى: ورفعنا فوقكم الطور، الطور هو الجبل كما بدله منه في قوله تعالى: (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) الأعراف - 171، والنتق هو الجذب والاقتلاع، وسياق الآية حيث ذكر أخذ الميثاق أولا والامر بأخذ ما أوتوا وذكر ما فيه أخيرا ووضع رفع الطور فوقهم بين الامرين مع السكوت عن سبب الرفع وغايتها يدل على أنه كان لارهابهم بعظمة القدرة من دون أن يكون لاجبارهم وإكراههم على العمل بما أوتوه وإلا لم يكن لاخذ الميثاق وجه، فما ربما يقال: أن رفع الجبل فوقهم لو كان على ظاهره كان آية معجزة وأوجب إجبارهم وإكراههم على العمل.
وقد قال سبحانه: (لا إكراه في الدين) البقرة - 256، وقال تعالى: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس - 99، غير وجيه فإن الآية كما مر لا تدل على أزيد من الإخافة والارهاب ولو كان مجرد رفع الجبل فوق بني إسرائيل إكراها لهم على الايمان أو العمل، لكان أغلب معجزات موسى موجبة للاكراه، نعم هذا التأويل وصرف الآية عن ظاهرها، والقول بأن بني إسرائيل كانوا في أصل الجبل فزلزل وزعزع حتى أظل رأسه عليهم، فظنوا أنه واقع بهم فعبر عنها برفعه فوقهم أو نتقه فوقهم، مبنى على أصل إنكار المعجزات وخوارق العادات، وقد مر الكلام فيها ولو جاز أمثال هذه التأويلات لم يبق للكلام ظهور، ولا لبلاغة الكلام وفصاحته أصل تتكي عليه وتقوم به.
قوله تعالى: لعلكم تتقون. لعل كلمة ترج واللازم في الترجي صحته في الكلام سواء كان قائما بنفس المتكلم أو المخاطب أو بالمقام، كان يكون المقام مقام رجاء وإن لم يكن للمتكلم والمخاطب رجاء فيه وهو لا يخلو عن شوب جهل بعاقبة الامر فالرجاء في كلامه تعالى إما بملاحظة المخاطب أو بملاحظة المقام. وأما هو تعالى فيستحيل نسبة الرجاء إليه لعلمه بعواقب الأمور، كما نبه عليه الراغب في مفرداته.