ولادتها ولا بكر أي لم تلد عوان بين ذلك، والعوان من النساء والبهائم ما هو في منتصف السن أي واقعة في السن بين ما ذكر من الفارض والبكر، ثم ترحم عليهم ربهم فوعظهم أن لا يلحوا في السؤال، ولا يشددوا على أنفسهم ويقنعوا بما بين لهم فقال:
فافعلوا ما تؤمرون، لكنهم لم يرتدعوا بذلك بل قالوا أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها، قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع شديد الصفرة في صفاء لونها تسر الناظرين وتم بذلك وصف البقرة بيانا، واتضح أنها ما هي وما لونها وهم مع ذلك لم يرضوا به، وأعادوا كلامهم الأول، من غير تحجب وانقباض وقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا انشاء الله لمهتدون، فأجابهم ثانيا بتوضيح في ماهيتها ولونها وقال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول أي غير مذللة بالحرث والسقي تثير الأرض بالشيار ولا تسقي الحرث فلما تم عليهم البيان ولم يجدوا ما يسألونه قالوا الآن جئت بالحق قول من يعترف بالحقيقة بالالزام والحجة من غير أن يجد إلى الرد سبيلا، فيعترف بالحق اضطرارا، ويعتذر عن المبادرة إلى الانكار بأن القول لم يكن مبينا من قبل، ولا بينا تاما. والدليل على ذلك قوله تعالى: فذبحوها وما كادوا يفعلون.
قوله تعالى: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها، شروع في أصل القصة والتدارء هو التدافع من الدرء بمعنى الدفع فقد كانوا قتلوا نفسا - وكل طائفة منهم يدفع الدم عن نفسها إلى غيرها - وأراد الله سبحانه إظهار ما كتموه.
قوله تعالى: فقلنا إضربوه ببعضها، أول الضميرين راجع إلى النفس باعتبار أنه قتيل، وثانيهما إلى البقرة وقد قيل: إن المراد بالقصة بيان أصل تشريع الحكم حتى ينطبق على الحكم المذكور في التورية الذي نقلناه، والمراد بإحياء الموتى العثور بوسيلة تشريع هذا الحكم على دم المقتول، نظير ما ذكره تعالى بقوله: (ولكم في القصاص حياة) البقرة - 179، من دون أن يكون هناك إحياء بنحو الاعجاز هذا، وأنت خبير بأن سياق الكلام وخاصة قوله تعالى: فقلنا إضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى يأبى ذلك.
قوله تعالى: ثم قست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد قسوة القسوة، في القلب بمنزلة الصلابة في الحجر وكلمة أو بمعنى بل، والمراد بكونها بمعنى بل انطباق معناه على موردها،