تشابه علينا كأنهم يدعون أن جنس البقر متشابه ولا يؤثر هذا الأثر إلا بعض أفراد هذا النوع وهذا المقدار من البيان لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب وتشخيصه، مع أن التأثير لله عز اسمه لا للبقرة، وقد أمرهم أن يذبحوا بقرة فأطلق القول ولم يقيده بقيد، وكان لهم أن يأخذوا بإطلاقه، ثم انظر إلى قولهم لنبيهم: أتتخذنا هزوا، المتضمن لرميه عليه السلام بالجهالة واللغو حتى نفاه عن نفسه بقوله: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وقولهم أخيرا بعد تمام البيان الإلهي: الآن جئت بالحق، الدال على نفي الحق عن البيانات السابقة المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز البيان الإلهي والتبليغ النبوي.
وبالجملة فتقديم هذا الشطر من القصة لابانة الامر في الخطاب التالي كما ذكر مضافا إلى نكتة أخرى، وهي أن قصة البقرة غير مذكورة في التوراة الموجودة عند اليهود اليوم فكان من الحري أن لا يخاطبوا بهذه القصة أصلا أو يخاطبوا به بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التحريف، فأعرض عن خطابهم اولا بتوجيه الخطاب إلى النبي ثم بعد تثبيت الأصل، عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل، نعم في هذا المورد من التوراة حكم لا يخلو عن دلالة ما على وقوع القصة وهاك عبارة التوراة.
قال في الفصل الحادي والعشرين من سفر تثنيه الاشتراع: إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل لا يعلم من قتله يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون إلى المدن التي حول القتيل فالمدينة القريبة من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالغير وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع ويكسرون عنق العجلة في الوادي ثم يتقدم الكهنة بني لاوي لأنه إياهم اختار الرب إلهك ليخدموه ويباركوا باسم الرب وحسب قولهم تكون كل خصومة وكل ضربة ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ويصرخون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر إغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب ولا تجعل دم برئ في وسط شعبك إسرائيل فيغفر لهم الدم انتهى.
إذا عرفت هذا على طوله، علمت أن بيان هذه القصة على هذا النحو ليس من قبيل