وقد بين شده قسوة قلوبهم بقوله: وإن من الحجرة لما يتفجر منه الأنهار وقوبل فيه بين الحجارة والماء لكون الحجارة يضرب بها المثل في الصلابة ككون الماء يضرب به المثل في اللين فهذه الحجارة على كمال صلابتها يتفجر منها الأنهار على لين مائها وتشقق فيخرج منها الماء على لينه وصلابتها، ولا يصدر من قلوبهم حال يلائم الحق، ولا قول حق يلائم الكمال الواقع، قوله تعالى: وإن منها لما يهبط من خشية الله، وهبوط الحجارة ما نشاهد من إنشقاق الصخور على قلل الجبال، وهبوط قطعات منها بواسطة الزلازل، وصيرورة الجمد الذي يتخللها في فصل الشتاء مائا في فصل الربيع إلى غير ذلك، وعد هذا الهبوط المستند إلى أسبابها الطبيعية هبوطا من خشية الله تعالى لان جميع الأسباب منتهية إلى الله سبحانه فانفعال الحجارة في هبوطها عن سببها الخاص بها انفعال عن أمر الله سبحانه إياها بالهبوط، وهي شاعرة لأمر ربها شعورا تكوينيا، كما قال تعالى: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم) اسرى - 44، وقال تعالى:
(كل له قانتون) البقرة - 116، والانفعال الشعوري هو الخشية فهي هابطة من خشية الله تعالى، فالآية جارية مجرى قوله تعالى: (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) الرعد - 13: وقوله تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد - 15، حيث عد صوت الرعد تسبيحا بالحمد وعد الظلال ساجدة لله سبحانه إلى غير ذلك من الآيات التي جرى القول فيها مجرى التحليل كما لا يخفى.
وبالجملة فقوله: وإن منها لما يهبط، بيان ثان لكون قلوبهم أقسى من الحجارة فإن الحجارة تخشى الله تعالى، فتهبط من خشيته، وقلوبهم لا تخشى الله تعالى ولا تهابه.
(بحث روائي) في محاسن: عن الصادق عليه السلام: في قول الله خذوا ما آتيناكم بقوة، أقوة