فيها تلك الحياة الشقية التي حذرا منها حين نهيا عن اقتراب الشجرة هذا.
وأن التوبة ثانيا: تعقب قضاء وحكما ثانيا منه تعالى بإكرام آدم وذريته بالهداية إلى العبودية فالمقضي أولا كان نفس الحياة الأرضية، ثم بالتوبة طيب الله تلك الحياة بأن ركب عليها الهداية إلى العبودية، فتألفت الحياة من حياة أرضية، وحياة سماوية.
وهذا هو المستفاد من تكرار الامر بالهبوط في هذه السورة حيث قال تعالى:
(وقلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين الآية) وقال تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى) الآية.
وتوسيط التوبة بين الامرين بالهبوط مشعر بأن التوبة وقعت ولما ينفصلا من الجنة وإن لم يكونا أيضا فيها كاستقرار هما فيها قبل ذلك.
يشعر بذلك أيضا قوله تعالى: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة الآية) بعد ما قال لهما: لا تقربا هذه الشجرة فأتى بلفظة تلكما وهي إشارة إلى البعيد بعد ما أتى بلفظة هذه وهي إشارة إلى القريب وعبر بلفظة نادى وهي للبعيد بعد ما أتى بلفظة قال وهي للقريب فافهم.
واعلم أن ظاهر قوله تعالى: (وقلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين الآية وقوله تعالى: (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون الآية) أن نحوه هذه الحياة بعد الهبوط تغاير نحوها في الجنة قبل الهبوط، وان هذه حياة ممتزجة حقيقتها بحقيقة الأرض ذات عناء وشقاء يلزمها أن يتكون الانسان في الأرض ثم يعاد بالموت إليها ثم يخرج بالبعث منها.
فالحياة الأرضية تغاير حياة الجنة فحياتها حياة سماوية غير أرضية.
ومن هنا يمكن أن يجزم أن جنة آدم كانت في السماء، وإن لم تكن جنة الآخرة جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخل فيها.
نعم: يبقي الكلام في معنى السماء ولعلنا سنوفق لاستيفاء البحث منه، إنشاء الله تعالى.
بقى هنا شئ وهو القول في خطيئة آدم فنقول ظاهر الآيات في بادي النظر