ومن هنا تحدس إن كنت ذا فطانة أن الشجرة كانت شجرة في اقترابها تعب الحياة الدنيا وشقائها، وهو أن يعيش الانسان في الدنيا ناسيا لربه، غافلا عن مقامه، وأن آدم عليه السلام كأنه أراد أن يجمع بينها وبين الميثاق المأخوذ عليه، فلم يتمكن فنسي الميثاق ووقع في تعب الحياة الدنيا، ثم تدورك له ذلك بالتوبة.
قوله تعالى: (وكلا منها رغدا) الرغد الهناء وطيب العيش وأرغد القوم مواشيهم تركوها ترعى كيف شاءت، وقوم رغد، ونساء رغد، أي ذووا عيش رغيد.
وقوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) وكأن النهي انما كان عن أكل الثمرة وانما تعلق بالقرب من الشجرة ايذانا بشدة النهى ومبالغة في التأكيد ويشهد بذلك قوله تعالى (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما) الأعراف - 22.
وقوله تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) طه - 121، فكانت المخالفة بالاكل فهو المنهى عنه بقوله: ولا تقربا.
قوله تعالى: فتكونا من الظالمين، من الظلم لا من الظلمة على ما احتمله بعضهم وقد اعترفا بظلمهما حيث قالا على ما حكاه الله تعالى عنهما: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا.
إلا أنه تعالى بدل في سورة طه هذه الكلمة أعني قوله: (فتكونا من الظالمين من قوله: (فتشقى والشقاء هو التعب ثم فسر التعب وفصله، فقال، (ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها و لا تضحى الآيات).
ومن هنا يظهر أن وبال هذا الظلم انما كان هو الوقوع في تعب حياة هذه الدنيا من جوع وعطش وعراء وعناء وعلى هذا فالظلم منهما انما هو ظلمهما لأنفسهما، لا بمعنى المعصية المصطلحة والظلم على الله سبحانه. ومن هنا يظهر أيضا أن هذا النهى أعني قوله:
ولا تقربا، إنما كان نهيا تنزيهيا إرشاديا يرشد به إلى ما فيه خير المكلف وصلاحه في مقام النصح لا نهيا مولويا.
فهما انما ظلما أنفسهما في ترك الجنة على أن جزاء المخالفة للنهي المولوي التكليفي