منتنة دانية، ثم إنه لو رجع بعد ذلك إلى ربه لأعاده إلى دار كرامته وسعادته ولو لم يرجع إليه وأخلد إلى الأرض واتبع هواه فقد بدل نعمه الله كفرا وأحل بنفسه دار البوار، جهنم يصليها وبئس القرار.
قوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)، التلقي هو التلقن، وهو أخذ الكلام مع فهم وفقه وهذا التلقي كان هو الطريق المسهل لآدم عليه السلام توبته.
ومن ذلك يظهر أن التوبة توبتان: توبه من الله تعالى وهي الرجوع إلى العبد بالرحمة، وتوبة من العبد وهي الرجوع إلى الله بالاستغفار والانقلاع من المعصية.
وتوبة العبد، محفوفة بتوبتين: من الله تعالى، فان العبد لا يستغني عن ربه في حال من الأحوال، فرجوعه عن المعصية إليه يحتاج إلى توفيقه تعالى وإعانته ورحمته حتى يتحقق منه التوبة، ثم تمس الحاجة إلى قبوله تعالى وعنايته ورحمته، فتوبة العبد إذا قبلت كانت بين توبتين من الله كما يدل عليه قوله تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا) التوبة - 119.
وقراءة نصب آدم ورفع كلمات تناسب هذه النكتة، وإن كانت القراءة الأخرى (وهي قراءة رفع آدم ونصب كلمات) لا تنافيه أيضا.
وأما أن هذه الكلمات ما هي؟ فربما يحتمل انها هي ما يحكيه الله تعالى عنهما في سورة الأعراف بقوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) الأعراف - 23، إلا أن وقوع هذه الكلمات أعني قوله: (قالا ربنا ظلمنا الآية) قبل قوله: (قلنا إهبطوا) في سورة الأعراف ووقوع قوله (فتلقى آدم) الآية بعد قوله: (قلنا اهبطوا، في هذه السورة لا يساعد عليه.
لكن هيهنا شئ: وهو أنك عرفت في صدر القصة أن الله تعالى حيث قال: (إني جاعل في الأرض خليفة)، قالت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك الآية) وهو تعالى لم يرد عليهم دعواهم على الخليفة الأرضي بما رموه به ولم يجب عنه بشئ إلا أنه علم آدم الأسماء كلها.
ولولا أنه كان فيما صنعه تعالى من تعليم الأسماء ما يسد باب اعتراضهم ذلك لم