الطبيعة بالصناعة فيما لا يناله من الطبيعة وزمانا يقاوم الطبيعة بالطبيعة، وبالجملة فهو مستفيد لكل غرض من كل شئ، ولا يزال مرور الدهور على هذا النوع العجيب يؤيده في تكثير تصرفاته وتعميق أنظاره ليحق الله الحق بكلماته، وليصدق قوله:
(سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) الجاثية - 13، وقوله: (ثم استوى إلى السماء) البقرة - 29، وكون الكلام واقعا موقع بيان النعم لتمام الامتنان يعطي أن يكون الاستواء إلى السماء لأجل الانسان فيكون تسويتها سبعا أيضا لأجله، وعليك بزيادة التدبر فيه.
فذاك الذي ذكرناه من صراط الانسان في مسير وجوده، وهذا الذي ذكرناه من شعاع عمله في تصرفاته في عالم الكون هو الذي يذكره سبحانه من العالم الانساني ومن أين يبتدي وإلى أين ينتهي.
غير أن القرآن كما يعد مبدأ حياته الدنيوية آخذة في الشروع من الطبيعة الكونية ومرتبطة بها (أحيانا) كذلك يربطها بالرب تعالى وتقدس، فقال تعالى:
(وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) مريم - 8، وقال تعالى: (إنه هو يبدئ ويعيد) البروج - 13، فالانسان وهو مخلوق مربى في مهد التكوين مرتضع من ثدي الصنع والايجاد متطور بأطوار الوجود يرتبط سلوكه بالطبيعة الميتة، كما أنه من جهة الفطر والابداع مرتبط متعلق بأمر الله وملكوته، قال تعالى: (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس - 82، وقال تعالى: (انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) النحل - 40، فهذا من جهة البدء وأما من جهة العود والرجوع فيعد صراط الانسان متشعبا إلى طريقين طريق السعادة وطريق الشقاوة، فاما طريق السعادة فهو أقرب الطرق يأخذ في الانتهاء إلى الرفيع الاعلى ولا يزال يصعد الانسان ويرفعه حتى ينتهي به إلى ربه، وأما طريق الشقاوة فهو طريق بعيد يأخذ في الانتهاء إلى أسفل السافلين حتى ينتهي إلى رب العالمين، والله من ورائهم محيط، وقد مر بيان ذلك في ذيل قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم من سورة الفاتحة.
فهذا اجمال القول في صراط الانسان، واما تفصيل القول في حياته قبل الدنيا