قوله تعالى: وإذ قال ربك الخ، سيأتي الكلام في معنى القول منه تعالى وكذا القول من الملائكة والشيطان انشاء الله.
قوله تعالى: قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، إلى قوله: ونقدس لك.
مشعر بأنهم انما فهموا وقوع الافساد وسفك الدماء من قوله سبحانه: اني جاعل في الأرض خليفة، حيث أن الموجود الأرضي بما انه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها واصلاحاتها في مظنة الفساد ومصب البطلان، لا تتم الحياة فيها الا بالحياة النوعية، ولا يكمل البقاء فيها الا بالاجتماع والتعاون، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء، ففهموا من هناك أن الخلافة المرادة لا تقع في الأرض الا بكثرة من الافراد ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك و، الخلافة وهي قيام شئ مقام آخر لا تتم إلا بكون الخليفة حاكيا للمستخلف في جميع شؤنه الوجودية وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف، والله سبحانه في وجوده مسمى بالأسماء الحسنى متصف بالصفات العليا، من أوصاف الجمال والجلال، منزه في نفسه عن النقص ومقدس في فعله عن الشر والفساد جلت عظمته، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ولا يحكي بوجوده المشوب بكل نقص وشين الوجود الإلهي المقدس المنزه عن جميع النقائص وكل الاعدام، فأين التراب ورب الأرباب، وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة، وليس من الاعتراض والخصومة في شئ والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم: انك أنت العليم الحكيم حيث صدر الجملة بأن التعليلية المشعرة بتسلم مدخولها فافهم، فملخص قولهم يعود إلى أن جعل الخلافة انما هو لأجل ان يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده، والأرضية لا تدعه يفعل ذلك بل تجره إلى الفساد والشر، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك، فنحن خلفائك أو فاجعلنا خلفاء لك، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله: أني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها.
وهذا السياق: يشعر اولا: بأن الخلافة المذكورة انما كانت خلافة الله تعالى،