أعني عموم الأسماء وكون مسمياتها أولي حياة وعلم وكونها غيب السماوات والأرض قضيت بانطباقها بالضرورة على ما أشير إليه في قوله تعالى: (وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم) الحجر - 21، حيث أخبر سبحانه بأنه كل ما يقع عليه اسم شئ فله عنده تعالى خزائن مخزونة باقية عنده غير نافدة، ولا مقدرة بقدر، ولا محدودة بحد، وأن القدر والحد في مرتبة الانزال والخلق، وأن الكثرة التي في هذه الخزائن ليست من جنس الكثرة العددية الملازمة للتقدير والتحديد بل تعدد المراتب والدرجات، وسيجئ بعض الكلام فيها في سورة الحجر انشاء الله تعالى.
فتحصل ان هؤلاء الذين عرضهم الله تعالى على الملائكة موجودات عالية محفوظة عند الله تعالى، محجوبة بحجب الغيب، أنزل الله سبحانه كل اسم في العالم بخيرها وبركتها واشتق كل ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها، وأنهم على كثرتهم وتعددهم لا يتعددون تعدد الافراد، ولا يتفاوتون تفاوت الاشخاص، وانما يدور الامر هناك مدار المراتب و الدرجات ونزول الاسم من عند هؤلاء انما هو بهذا القسم من النزول.
وقوله تعالى: وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون وكان هذان القسمان من الغيب النسبي الذي هو بعض السماوات والأرض، ولذلك قوبل به قوله: أعلم غيب السماوات والأرض، ليشمل قسمي الغيب أعني الخارج عن العالم الأرضي والسماوي وغير الخارج عنه.
وقوله تعالى: كنتم تكتمون، تقييد الكتمان بقوله: كنتم، مشعر بأن هناك أمرا مكتوما في خصوص آدم وجعل خلافته، ويمكن أن يستظهر ذلك من قوله تعالى في الآية التالية: (فسجدوا الا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).
فيظهر أن إبليس كان كافرا قبل ذلك الحين، وأن إبائه عن السجدة كان مرتبطا بذلك فقد كان أضمره هذا.
ويظهر بذلك أن سجدة الملائكة وإباء إبليس عنها كانت واقعة بين قوله تعالى:
قال إني أعلم ما لا تعلمون وبين قوله: اعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، ويظهر السر أيضا في تبديل قوله: اني أعلم ما لا تعلمون ثانيا بقوله: اني أعلم غيب السماوات والأرض.