إنما يريد الموت قبل الحياة وهو موت وليس بإماتة والحياة هي الحياة الدنيا، وفي قوله تعالى: ثم إليه ترجعون حيث فصل بين الاحياء والرجوع بلفظ ثم تأييد لما ذكرنا هذا.
قوله تعالى: وكنتم أمواتا، بيان حقيقة الانسان من حيث وجوده فهو وجود متحول متكامل يسير في مسير وجوده المتبدل المتغير تدريجا ويقطعه مرحلة مرحلة، فقد كان الانسان قبل نشأته في الحياة الدنيا ميتا ثم حيي بإحياء الله ثم يتحول بإماتة وإحياء وهكذا وقد قال سبحانه: (وبدأ خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه) السجدة - 9، وقال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنون - 14، وقال تعالى:
(وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد، بل هم بلقاء ربهم كافرون. قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم) السجدة - 11، وقال تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) طه - 55. والآيات كما ترى (وسنزيدها توضيحا في محالها) تدل على أن الانسان جزء من الأرض غير مفارقها ولا مباين معها، انفصل منها ثم شرع في التطور بأطواره حتى بلغ مرحلة أنشئ فيها خلقا آخر، فهو المتحول خلقا آخر والمتكامل بهذا الكمال الجديد الحديث، ثم يأخذ ملك الموت هذا الانسان من البدن نوع أخذ يستوفيه ثم يرجع إلى الله سبحانه، فهذا صراط وجود الانسان.
ثم إن الانسان صاغه التقدير صوغا يرتبط به مع سائر الموجودات الأرضية والسماوية من بسائط العناصر وقواها المنبجسة منها ومركباتها من حيوان ونبات ومعدن وغير ذلك من ماء أو هواء وما يشاكلها، وكل موجود من الموجودات الطبيعية كذلك، أي إنه مفطور على الارتباط مع غيره ليفعل وينفعل ويستبقي به موهبة وجوده غير أن نطاق عمل الانسان ومجال سعية أوسع، كيف؟ وهذا الموجود الأعزل على أنه يخالط الموجودات الاخر الطبيعية بالقرب والبعد والاجتماع والافتراق بالتصرفات البسيطة لغاية مقاصده البسيطة في حياته، فهو من جهة تجهيزة بالادراك والفكر يختص بتصرفات خارجة عن طوق سائر الموجودات بالتفصيل والتركيب والافساد والاصلاح، فما من موجود إلا وهو في تصرف الانسان، فزمانا يحاكي