قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (كلما استغفرت الله منه فهو منك، وكلما حمدت الله عليه فهو منه) فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال:
لقد أخذوها من عين صافية.
وفي الطرائف أيضا روى أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن القضاء والقدر فقال: (ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله) يقول الله للعبد: لم عصيت، لم فسقت، لم شربت الخمر، لم زنيت؟ فهذا فعل العبد، ولا يقول له لم مرضت، لم قصرت، لم ابيضضت، لم اسوددت؟ لأنه من فعل الله تعالى. وفي النهج سئل عليه السلام عن التوحيد والعدل فقال: (التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه). أقول: والاخبار فيما مر متكاثرة جدا غير أن الذي نقلناه حاو لمعاني ما تركناه ولئن تدبرت فيما تقدم من الاخبار وجدتها مشتملة على طرق خاصة عديدة من الاستدلال.
منها: الاستدلال بنفس الأمر والنهي والعقاب و الثواب وأمثالها على تحقق الاختيار من غير جبر ولا تفويض، كما في الخبر المنقول عن أمير المؤمنين علي عليه السلام فيما أجاب به الشيخ، وهو قريب المأخذ مما استفدناه من كلامه تعالى.
ومنها: الاستدلال بوقوع أمور في القرآن لا تصدق لو صدق جبر أو تفويض، كقوله تعالى: (لله ملك السماوات والأرض وقوله: (وما ربك بظلام للعبيد)، وقوله تعالى: (قل ان الله لا يأمر بالفحشاء الآية، ويمكن أن يناقش فيه بأن الفعل إنما هو فاحشة أو ظلم بالنسبة إلينا وأما إذا نسب إليه تعالى فلا يسمى فاحشة ولا ظلما فلا يقع منه تعالى فاحشة ولا ظلم، ولكن صدر الآية بمدلولها الخاص يدفعها فإنه تعالى يقول: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آبائنا والله أمرنا بهذا قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) الآية، فالإشارة بقوله بهذا يوجب أن يكون النفي اللاحق متوجها إليه سواء سمي فحشاء أو لم يسم.