وفي الاحتجاج فيما سأله عباية بن ربعي الأسدي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في معنى الاستطاعة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تملكها من دون الله أو مع الله؟
فسكت عباية بن ربعي فقال له قل يا عباية، قال: وما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملككها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه وهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك الحديث.
أقول: ومعنى الرواية واضح مما بيناه آنفا.
وفي شرح العقائد للمفيد قال: وقد روى عن أبي الحسن الثالث عليه السلام إنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى؟ فقال عليه السلام: لو كان خالقا لها لما تبرا منها وقد قال سبحانه: إن الله برئ من المشركين ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرا من شركهم وقبائحهم.
أقول للأفعال جهتان: جهة ثبوت ووجود، وجهة الانتساب إلى الفاعل، وهذه الجهة الثانية هي التي تتصف بها الافعال بأنها طاعة أو معصية أو حسنه أو سيئة فإن النكاح والزنا لا فرق بينهما من جهة الثبوت والتحقق، وإنما الفرق الفارق هو أن النكاح موافق لأمر الله تعالى، والزنا فاقد للموافقة المذكورة، وكذا قتل النفس بالنفس وقتل النفس بغير نفس، وضرب اليتيم تأديبا وضربه ظلما، فالمعاصي فاقدة لجهة من جهات الصلاح أو لموافقة الامر أو الغاية الاجتماعية بخلاف غيرها، وقد قال تعالى: (الله خالق كل شئ) الزمر - 62، والفعل شئ بثبوته ووجوده، وقد قال عليه السلام: (كل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله الحديث) ثم قال تعالى: (الذي أحسن كل شئ خلقه) السجدة - 7، فتبين أن كل شئ كما أنه مخلوق فهو في أنه مخلوق حسن، فالخلقة والحسن متلازمان متصاحبان لا ينفك أحدهما عن الآخر أصلا، ثم إنه تعالى سمى بعض الأفعال سيئة فقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) الانعام - 160، وهي المعاصي التي يفعلها الانسان بدليل المجازاة، وعلمنا بذلك أنها من حيث أنها معاص عدمية غير مخلوقة وإلا كانت حسنة، وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) الحديد - 22، وقال: (ما أصاب من مصيبة