ألا أعلمكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه؟ قلنا إن رأيت ذلك، فقال إن الله عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكة، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه فان إئتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا، ولا منها مانعا وان إئتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وان لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال عليه السلام من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه.
أقول: قد عرفت أن الذي ألزم المجبرة أن قالوا بما قالوا هو البحث في القضاء والقدر واستنتاج الحتم واللزوم فيهما وهذا البحث صحيح وكذلك النتيجة أيضا نتيجة صحيحة غير أنهم أخطأوا في تطبيقها، واشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريات، واختلط عليهم الوجوب والامكان، توضيح ذلك أن القضاء والقدر على تقدير ثبوتهما ينتجان أن الأشياء في نظام الايجاد والخلقة على صفة الوجوب واللزوم فكل موجود من الموجودات وكل حال من أحوال الموجود مقدرة محدودة عند الله سبحانه، معين له جميع ما هو معه من الوجود وأطواره وأحواله لا يتخلف عنه ولا يختلف، ومن الواضح أن الضرورة والوجوب من شؤون العلة فإن العلة التامة هي التي إذا قيس إليها الشئ صار متصفا بصفة الوجوب وإذا قيس إلى غيرها أي شئ كان لم يصر إلا متصفا بالامكان، فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلية التامة والمعلولية في العالم بتمامه وجميعه، وذلك لا ينافي سريان حكم القوة والامكان في العام من جهة أخرى وبنظر آخر فالفعل الاختياري الصادر عن الانسان بإرادته إذا فرض منسوبا إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادة يتعلق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانية والمكانية كان ضروري الوجود، وهو الذي تعلقت به الإرادة الإلهية الأزلية لكن كون الفعل ضروريا بالقياس إلى جميع أجزاء علته التامة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريا إذا قيس إلى بعض أجزاء علته التامة كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقية أجزاء علته التامة فإنه لا يتجاوز حد الامكان، ولا يبلغ البتة حد الوجوب فلا معنى لما زعموه أن عموم القضاء وتعلق الإرادة الإلهية بالفعل يوجب زوال القدرة وارتفاع الاختيار، بل الإرادة الإلهية إنما تعلقت بالفعل بجميع شؤونه وخصوصياته الوجودية ومنها ارتباطاته بعلله وشرائط وجوده، وبعبارة أخرى تعلقت الإرادة