من طريق الآثار والأفاعيل، بأن شاهدنا من طرق الحواس أفاعيل متنوعة وآثارا مختلفة من غير أن تنال الحواس في إحساسها أمرا وراء الآثار العرضية، ثم أثبتنا من طريق القياس والبرهان علة فاعلة لها وموضوعا يقومها ثم حكمنا باختلاف هذه الموضوعات أعني الأنواع لاختلاف الآثار والأفاعيل المشهودة لنا، فالاختلاف المشهود في آثار الانسان وساير الأنواع الحيوانية مثلا هو الموجب للحكم بأن هناك انواعا مختلفة تسمى بكذا وكذا ولها آثار وأفاعيل كذا وكذا، وكذا، الاختلافات بين الاعراض والأفاعيل إنما نثبتها ونحكم بها من ناحية موضوعاتها أو خواصها.
وكيف كان فالأفاعيل بالنسبة إلى موضوعاتها تنقسم بانقسام أولى إلى قسمين:
الأول: الفعل الصادر عن الطبيعة من غير دخل للعلم في صدوره كأفعال النشوء والنمو والتغذي للنبات والحركات للأجسام، ومن هذا القبيل الصحة والمرض وأمثال ذلك فإنها وأن كانت معلومة لنا وقائمة بنا الا أن تعلق العلم بها لا يؤثر في وجودها وصدورها شيئا وانما هي مستندة تمام الاستناد إلى فاعلها الطبيعي، والثاني: الفعل الصادر عن الفاعل من حيث أنه معلوم تعلق به العلم كما في الافعال الإرادية للانسان وساير ذوات الشعور من الحيوان، فهذا القسم من الفعل انما يفعله فاعله من حيث تعلق العلم به وتشخيصه وتمييزه، فالعلم فيه انما يفيد تعيينه وتمييزه من غيره، وهذا التمييز والتعيين انما يتحقق من جهة انطباق مفهوم يكون كمالا للفاعل انطباقا بواسطة العلم، فإن الفاعل أي فاعل كان إنما يفعل من الفعل ما يكون مقتضى كماله وتمام وجوده فالفعل الصادر عن العلم إنما يحتاج إلى العلم من جهة أن يتميز عند الفاعل ما هو كمال له عن ما ليس بكمال له.
ومن هنا ما نرى أن الافعال الصادرة عن الملكات كصدور أصوات الحروف منظمة عن الانسان المتكلم، وكذا الافعال الصادرة عنها مع اقتضاء ما ومداخلة من الطبيعة كصدور التنفس عن الانسان، وكذا الافعال الصادرة عن الانسان بغلبة الحزن أو الخوف أو غير ذلك كل ذلك لا يحتاج إلى ترو من الفاعل، إذ ليس هناك إلا صورة علمية واحدة منطبقة على الفعل والفاعل لا حالة منتظرة لفعلة، فيفعل البتة، واما الافعال التي لها صور علمية متعددة تكون هي من جهة بعضها مصداق