نسائهم، فقال مخاطبا لهم: (يا أيها الذين آمنوا قوا) أي: احفظوا، واحرسوا، وامنعوا (أنفسكم وأهليكم نارا) والمعنى قوا أنفسكم وأهليكم النار بالصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعن اتباع الشهوات. وقوا أهليكم النار بدعائهم إلى الطاعة، وتعليمهم الفرائض، ونهيهم عن القبائح، وحثهم على أفعال الخير. وقال مقاتل بن حيان. وهو أن يؤدب الرجل المسلم نفسه وأهله، ويعلمهم الخير، وينهاهم عن الشر، فذلك حق على المسلم أن يفعل بنفسه، وأهله، وعبيده، وإمائه، في تأديبهم وتعليمهم.
ثم وصف سبحانه النار التي حذرهم منها فقال. (وقودها الناس والحجارة) أي حطب تلك النار الناس وحجارة الكبريت، وهي تزيد في قوة النار. وقد مر تفسيره (عليها ملائكة غلاظ شداد) أي غلاظ القلوب، لا يرحمون أهل النار، أقوياء يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وفي هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار، معصومون عن القبائح، لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه. وقال الجبائي: إنما عنى أنهم لا يعصونه، ويفعلون ما يأمرهم به في دار الدنيا، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي دار جزاء. وإنما أمرهم الله تعالى بتعذيب أهل النار، على وجه الثواب لهم، بأن جعل سرورهم ولذاتهم في تعذيب أهل النار، كما جعل سرور المؤمنين ولذاتهم في الجنة. ثم حكى سبحانه ما يقال للكفار يوم القيامة فقال. (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم) وذلك أنهم إذا عذبوا يأخذون في الاعتذار، فلا يلتفت إلى معاذيرهم، ويقال لهم: لا تعتذروا اليوم فهذا جزاء فعلكم، وذلك قوله (إنما تجزون ما كتم تعملون).
ثم عاد سبحانه إلى خطاب المؤمنين في دار التكليف، فقال: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله) من معاصيه، وارجعوا إلى طاعته (توبة نصوحا) أي خالصة لوجه الله. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله! ما التوبة النصوح؟ قال. (أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع). وقال ابن مسعود: التوبة النصوح هي التي تكفر كل سيئة، وهو في القرآن. ثم تلا هذه الآية. وقيل: إن التوبة النصوح هي التي يناصح الانسان فيها نفسه بإخلاص الندم، مع العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح. وقيل: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أن لا يعود فيه، عن الحسن. وقيل: