وتجليه للخلق. فقيل: جاء ربك أي زالت الشبهة، وارتفع الشك، كما يرتفع عند مجئ الشئ الذي كان يشك فيه، جل وتقدس عن المجئ والذهاب، لقيام البراهين القاهرة، والدلائل الباهرة، على أنه سبحانه ليس بجسم (والملك) أي وتجئ الملائكة (صفا صفا) يريد صفوف الملائكة، وأهل كل سماء صف على حدة، عن عطاء. وقال الضحاك: أهل كل سماء إذا زلزلوا يوم القيامة، كانوا صفا محيطين بالأرض، وبمن فيها، فيكون سبع صفوف، فذلك قوله (صفا صفا).
وقيل: معناه مصطفين كصفوف الناس في الصلاة، يأتي الصف الأول، ثم الصف الثاني، ثم الصف الثالث، ثم على هذا الترتيب، لأن ذلك أشبه بحال الاستواء من التشويش، فالتعديل والتقويم أولى.
(وجئ يومئذ بجهنم) أي وأحضرت في ذلك اليوم جهنم ليعاقب بها المستحقون لها، ويرى أهل الموقف هولها وعظم منظرها. وروي مرفوعا عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية، تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرف في وجهه، حتى اشتد على أصحابه ما رأوا من حاله، وانطلق بعضهم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا: يا علي! لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم. فجاء علي عليه السلام فاحتضنه من خلفه، وقبل بين عاتقيه، ثم قال: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، ما الذي حدث اليوم؟ قال: جاء جبرائيل عليه السلام فأقرأني (وجئ يومئذ بجهنم) قال فقلت: كيف يجاء بها؟ قال: يجئ بها سبعون ألف ملك، يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم أتعرض لجهنم فتقول: ما لي ولك يا محمد، فقد حرم الله لحمك علي. فلا يبقى أحد إلا قال:
نفسي نفسي، وإن محمدا يقول رب أمتي أمتي.
ثم قال سبحانه: (يومئذ) يعني يوم يجاء بجهنم (يتذكر الانسان) أي: يتعظ ويتوب الكافر (وأنى له الذكرى) أي ومن أين له التوبة، عن الزجاج. وقيل: معناه يتذكر الانسان ما قصر وفرط، إذ يعلم يقينا ما قد توعد به، فكيف ينفعه التذكر.
أثبت له التذكر، ثم نفاه بمعنى أنه لا ينتفع به، فكأنه لم يكن، وكان ينبغي له أن يتذكر في وقت ينفعه ذلك فيه. ثم حكى سبحانه ما يقول الكافر والمفرط الجاني على نفسه، ويتمناه بقوله: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) أي يتمنى أن يكون قد كان عمل الطاعات والحسنات، لحياته بعد موته، أو عملها للحياة التي تدوم له، بقوله