بعضها ببعض على هيئة مجالس الملوك في الدنيا (وزرابي مبثوثة) وهي البسط الفاخرة، والطنافس المخملة، والمبثوثة المبسوطة المنشورة. ويجوز أن يكون المعنى أنها مفرقة في المجالس. وعن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام أنه ذكر أهل الجنة فقال: يجيئون فيدخلون، فإذا أسس بيوتهم من جندل اللؤلؤ، وسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة. ولولا أن الله تعالى قدرها لهم، لالتمعت أبصارهم بما يرون، ويعانقون الأزواج، ويقعدون على السرر ويقولون:
الحمد لله الذي هدانا لهذا.
قال قتادة: ولما نعت الله الجنة، وما فيها، عجب من ذلك أهل الضلال، فأنزل الله سبحانه: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وكانت عيشا من عيشهم.
فيقول: أفلا يتفكرون فيها، وما يخرج الله من ضروعها من بين فرث ودم لبنا خالصا، سائغا للشاربين، يقول: كما صنعت هذا لهم، فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة. وقيل: معناه أفلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل، وما في ركبه الله عليه من عجيب الخلق، فإنه مع عظمته وقوته يذلله الصغير، فينقاد له بتسخير الله إياه لعباده، فيبركه، ويحمل عليه، ثم يقوم. وليس ذلك في غيره من ذوات الأربع، فلا يحمل على شئ منها، إلا وهو قائم. فأراهم الله سبحانه هذه الآية فيه، ليستدلوا على توحيده بذلك، عن أبي عمرو بن العلاء والزجاج. وسأل الحسن عن هذه الآية، وقيل له: الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة. فقال: أما الفيل فالعرب بعيدو العهد بها ثم هو خنزير لا يركب ظهرها، ولا يؤكل لحمها، ولا يحلب درها. والإبل من أعز مال العرب وأنفسه، تأكل النوى وألقت، وتخرج اللبن، ويأخذ الصبي بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها. ويحكى أن فأرة أخذت بزمام ناقة، فأخذت تجرها، وهي تتبعها حتى دخلت الجحر، فجرت الزمام فبركت الناقة، فجرت، فقربت فمها من جحر الفأر.
(وإلى السماء كيف رفعت) أي كيف رفعها الله فوق الأرض، وجعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم. ثم إلى ما خلقه فيها من بدائع الخلق، من الشمس والقمر والكواكب، وعلق بها منافع الخلق، وأسباب معايشهم. (وإلى الجبال كيف نصبت) أي: أولا يتفكرون في خلق الله سبحانه، الجبال، أوتادا للأرض ومسكنة لها، وأنه لولاها لمادت الأرض بأهلها (وإلى الأرض كيف سطحت)