(عاملة ناصبة) فيه وجوه أحدها: إن المعنى عاملة في النار، ناصبة فيها، عن الحسن وقتادة قالا: لم يعمل لله سبحانه في الدنيا، فأعلمها وأنصبها في النار بمعالجة السلاسل والأغلال. قال الضحاك: يكلفون ارتقاء جبل من حديد في النار.
وقال الكلبي: يجرون على وجوههم في النار وثانيها: إن المراد عاملة في الدنيا بالمعاصي، ناصبة في النار يوم القيامة، عن عكرمة والسدي. وثالثها: عاملة ناصبة في الدنيا، يعملون وينصبون ويتعبون، على خلاف ما أمرهم الله تعالى به، وهم الرهبان وأصحاب الصوامع، وأهل البدع والآراء الباطلة، لا يقبل الله أعمالهم في البدعة والضلالة، وتصير هباء لا يثابون عليها، عن سعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبي الضحاك، عن ابن عباس. وقال أبو عبد الله عليه السلام: كل ناصب لنا، وإن تعبد واجتهد يصير إلى هذه الآية (عاملة ناصبة).
(تصلى نارا حامية) قال ابن عباس: قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله.
وقيل. المعنى أن هؤلاء يلزمون الإحراق بالنار التي في غاية الحرارة (تسقى من عين آنية) أي وتسقى أيضا من عين حارة قد بلغت إناها، وانتهت حرارتها. قال الحسن:
قد أوقدت عليها جهنم مذ خلقت، فدفعوا إليها وردا عطاشا هذا شرابهم. ثم ذكر طعامهم فقال: (ليس لهم طعام إلا من ضريع) وهو نوع من الشوك يقال له الشبرق، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس، وهو أخبث طعام وأبشعه، لا ترعاه دابة. وعن الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الضريع شئ يكون في النار، يشبه الشوك، أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حرا من النار، سماه الله الضريع). وقال أبو الدرداء والحسن: إن الله يرسل على أهل النار الجوع، حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء، فيستقون، فيعطشهم الله سبحانه ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية، شربة لا هنيئة ولا مريئة، كلما أدنوه إلى وجوههم سلخ جلود وجوههم، وشواها. فإذا وصل إلى بطونهم قطعها. فذلك قوله: (وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم). ولما نزلت هذه الآية، قال المشركون:
إن إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك، لأن الإبل لا ترعاه. فقال الله سبحانه تكذيبا لهم.
(لا يسمن ولا يغني من جوع) أي لا يدفع جوعا، ولا يسمن أحدا. قال