عذاب الحريق) بما أحرقوا المؤمنين. يسأل فيقال: كيف فصل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد؟ أجيب عن ذلك بان المراد: لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق، مثل الزقوم والغسلين والمقامع، ولهم مع ذلك الإحراق بالنار. وقيل. لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا، وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود فأحرقتهم، عن الربيع بن أنس، وهو قول الكلبي. وقال الفراء: ارتفعت النار عليهم فأحرقتهم فوق الأخاديد، ونجا المؤمنون.
ثم ذكر سبحانه ما أعده للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار، فقال: (إن الذين آمنوا) أي صدقوا بتوحيد الله (وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) النجاح العظيم، والنفع الخالص. وإنما وصفه بالكبير، لأن نعيم العاملين كبير بالإضافة إلى نعيم من لا عمل له من داخلي الجنة، لما في ذلك من الإجلال والاكرام، والتبجيل والإعظام. ثم قال سبحانه متوعدا للكفار والعصاة: (إن بطش ربك) يا محمد (لشديد) يعني: إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة، أليم شديد. وإذا وصف البطش وهو الأخذ عنفا بالشدة، فقد تضاعف مكروهه، وتزايد إيلامه (إنه هو يبدئ) الخلق يخلقهم أولا في الدنيا (ويعيد) هم أحياء بعد الموت للحساب والجزاء، فليس إمهاله لمن يعصيه لإهماله إياه. وقيل:
إنه يبدئ بالعذاب في الدنيا، ويعيده في الآخرة، عن ابن عباس. وذلك لأن ما قبله يقتضيه.
(وهو الغفور) لذنوب المؤمنين من أهل طاعته، ومعناه: كثير الغفران عادته مغفرة الذنوب (الودود) يود أولياءه ويحبهم، عن مجاهد. قال الأزهري في تفسير أسماء الله: يجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى مفعول، كركوب وحلوب، ومعناه: إن عباده الصالحين يودونه، ويحبونه، لما عرفوا من فضله وكرمه، ولما أسبغ من آلائه ونعمه. قال: وكلتا الصفتين مدح، لأنه سبحانه إن أحب عباده المطيعين فهو فضل منه، وإن أحبوه فلما عرفوه من فضله وإحسانه. (ذو العرش المجيد) أكثر القراءة في (المجيد) الرفع، لأن الله سبحانه هو الموصوف بالمجد، ولأن المجيد لم يسمع في غير صفة الله تعالى، وإن سمع الماجد. ومن كسر المجيد جعله من صفة العرش. وروي عن ابن عباس أنه قال: يريد العرش وحسنه، ويؤيده أن العرش وصف بالكرم في قوله (رب العرش الكريم) فجاز أيضا أن يوصف بالمجد، لأن