عملها ورزقها وأجلها. ثم نبه سبحانه على البعث بقوله (فلينظر الانسان) يعني المكذب بالبعث، عن مقاتل (مم خلق) أي فلينظر نظر التفكر والاستدلال من أي شئ خلقه الله، وكيف خلقه وأنشأه، حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة، قادر على إعادته.
ثم ذكر من أي شئ خلقه فقال: (خلق من ماء دافق) أي من ماء مهراق في رحم المرأة، يعني المني الذي يكون منه الولد، عن ابن عباس. قال الفراء: وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم، نحو سر كاتم، وهم ناصب، وليل نائم وقد ذكرناه قبل. ثم وصف سبحانه ذلك الماء فقال: (يخرج من بين الصلب والترائب) وهو موضع القلادة من الصدر، عن ابن عباس. قال عطاء:
يريد صلب الرجل، وترائب المرأة. والولد لا يكون إلا من الماءين. وقيل: الترائب اليدان والرجلان والعينان، عن الضحاك. وسئل عكرمة عن الترائب فقال: هذه - ووضع يده على صدره بين ثدييه - وقيل: ما بين المنكبين والصدر، عن مجاهد.
والمشهور في كلام العرب أنها عظام الصدر، والنحر.
(إنه على رجعه لقادر) يعني أن الذي خلقه ابتداء من هذا الماء، يقدر على أن يرجعه حيا بعد الموت، عن الحسن وقتادة والجبائي. وقيل: معناه أنه تعالى على رد الماء في الصلب لقادر، عن عكرمة ومجاهد. وقيل: إنه على رد الانسان ماء كما كان، قادر، عن الضحاك. وقال مقاتل بن حيان: يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبي، ومن الصبي إلى النطفة. والأصح القول الأول لقوله:
(يوم تبلى السرائر) أي: إنه قادر على بعثه يوم القيامة. ومعنى الرجع: رد الشئ إلى أول حاله. والسرائر: أعمال بني آدم، والفرائض التي أوجبت عليه، وهي سرائر بين الله والعبد. وتبلى أي تختبر تلك السرائر يوم القيامة، حتى يظهر خيرها من شرها، ومؤديها من مضيعها. روي ذلك مرفوعا عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص): (ضمن الله لخلقه أربع خصال: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، وهي السرائر التي قال الله يوم تبلى السرائر،.
وعن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله (ص): وما هذه السرائر التي تبلى بها العباد في الآخرة؟ فقال: (سرائركم هي أعمالكم من الصلاة، والصيام، والزكاة،