سبحانه: (ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر) وقد مر ذكره. عن عبد الله بن مسعود قال: ما قدمت من خير أو شر، وما أخرت من سنة حسنة استن بها بعده، فله أجر من أتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شئ، أو سنة سيئة عمل بها بعده، فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ. ويؤيد هذا القول ما جاء في الحديث: إن سائلا قام على عهد النبي (ص) فسأل فسكت القوم. ثم إن رجلا أعطاه فأعطاه القوم. فقال النبي (ص): (من استن خيرا فاستن به، فله أجره، ومثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم، ومن استن شرا فاستن به، فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه، غير منتقص من أوزارهم). قال فتلا حذيفة بن اليمان (علمت نفس ما قدمت وأخرت).
(يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم) أي: أي شئ غرك بخالقك، وخدعك، وسول لك الباطل حتى عصيته وخالفته، وروي أن النبي (ص) لما تلا هذه الآية قال: (غره جهله). واختلف في معنى الكريم فقيل: هو المنعم الذي كل أفعاله إحسان وإنعام، لا يجر به نفعا، ولا يدفع به ضررا. وقيل: هو الذي يعطي ما عليه، وما ليس عليه، ولا يطلب ما له. وقيل: هو الذي يقبل اليسير، ويعطي الكثير. وقيل: إن من كرمه سبحانه أنه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى بدلها بالحسنات. وقيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه، فقال: ما غرك بربك الكريم، ماذا كنت تقول له؟ قال: أقول غرني ستورك المرخاة، وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني الله بين يديه، فقال: ما غرك بي؟ قلت: غرني بك برك بي سالفا وآنفا. وعن بعضهم قال: غرني حلمك، وعن أبي بكر الوراق: غرني كرم الكريم، وإنما قال سبحانه الكريم، دون سائر أسمائه وصفاته، لأنه كأنه لقنه الإجابة حتى يقول: غرني كرم الكريم. وقال عبد الله بن مسعود: ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، فيقول: يا بن آدم ما غرك بي يا بن آدم، ماذا عملت فيما عملت يا بن آدم. ماذا أجبت المرسلين. وقال أمير المؤمنين (ع): كم مغرور بالستر عليه، ومستدرج بالإحسان إليه. (الذي خلقك) من نطفة، ولم تك شيئا (فسواك) إنسانا تسمع وتبصر (فعدلك) أي جعلك معتدلا. وقيل: معناه عدل خلقك في العينين والأذنين واليدين والرجلين، عن مقاتل. والمعنى: عدل بين ما خلق لك من الأعضاء التي في الانسان منها اثنان، لا تفضل يد على يد، ولا رجل على رجل