جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنعم. فدخل فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات. فلما نزلت هذه الآيات، وبان كذب عبد الله، قيل له: نزل فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لك. فلوى رأسه، ثم قال: أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد، فنزل: (وإذا قيل لهم تعالوا) إلى قوله (ولكن المنافقين لا يعلمون) ".
المعنى: ثم ذكر سبحانه أن استغفاره لا ينفعهم فقال: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) أي يتساوى الاستغفار لهم، وعدم الاستغفار (لن يغفر الله لهم) لأنهم يبطنون الكفر، وإن أظهروا الإيمان (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) أي لا يهدي القوم الخارجين عن الدين والإيمان إلى طريق الجنة. قال الحسن:
أخبره سبحانه أنهم يموتون على الكفر، فلم يستغفر لهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة، وأن يكون الباطن مثل الظاهر، فبين الله تعالى أن ذلك لا ينفعهم مع ابطانهم الكفر والنفاق. ثم قال سبحانه: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله) " من المؤمنين المحتاجين (حتى ينفضوا) " أي يتفرقوا عنه. وإنما قالوا هم من عند محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الله سبحانه سماه رسول الله تشريفا له، وتعظيما لقدره (ولله خزائن السماوات والأض) وما بينهما من الأرزاق، والأموال، والأغلاق، فلو شاء لأغناهم، ولكنه تعالى يفعل ما هو الأصلح لهم، ويمتحنهم بالفقر، ويتعبدهم بالصبر ليصبروا فيؤجروا، وينالوا الثواب، وكريم المآب.
(ولكن المنافقين لا يفقهون) " ذلك على الحقيقة، لجهلهم بوجوه الحكمة.
وقيل: لا يفقهون أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة) " من غزوة بني المصطلق (ليخرجن الأعز) " يعنون نفوسهم (منها الأذل) يعنون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين. فرد الله سبحانه عليهم بأن قال: (ولله العزة ولرسوله) " بإعلاء الله كلمته، وإظهاره دينه على الأديان (وللمؤمنين) " بنصرته إياهم في الدنيا، وإدخالهم الجنة في العقبى. وقيل: ولله العزة بالربوبية، ولرسوله بالنبوة، وللمؤمنين بالعبودية. أخبر سبحانه بذلك، ثم حققه بأن أعز رسوله والمؤمنين، وفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها. وقيل: عز الله خمسة: عز الملك والبقاء، وعز العظمة والكبرياء، وعز البذل والعطاء، وعز الرفعة والعلاء، وعز