قال (ثم كفروا) لأنهم جددوا الكفر بعد إظهار الإيمان. (فطبع على قلوبهم) أي ختم عليها بسمة تميز بها الملائكة بينهم وبين المؤمنين على الحقيقة. وقيل. لما ألفوا الكفر والعناد، ولم يصغوا إلى الحق، ولا فكروا في المعاد، خلاهم الله واختيارهم، وخذلهم، فصار ذلك طبعا على قلوبهم، وهو إلفهم إلى ما اعتادوه من الكفر، عن أبي مسلم.
(فهم لا يفقهون) أي لا يعلمون الحق من حيث إنهم لا يتفكرون حتى يميزوا بين الحق والباطل. (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) بحسن منظرهم، وتمام خلقتهم، وجمال بزتهم (وإن يقولوا تسمع لقولهم) أي وإذا قالوا شيئا أصغيت إلى كلامهم، لحسن منطقهم، وفصاحة لسانهم، وبلاغة بيانهم. (كأنهم خشب مسندة) " أي كأنهم أشباح بلا أرواح. شبههم الله في خلوهم من العقول والأفهام بالخشب المسندة إلى شئ لا أرواح فيها. وقيل: إنه شبههم بخشب نخرة متأكلة، لا خير فيها، ويحسب من رآها أنها صحيحة سليمة من حيث إن ظاهرها يروق، وباطنها لا يفيد، فكذلك المنافق: ظاهره معجب رائع، وباطنه عن الخير زائغ.
(يحسبون كل صيحة عليهم) وصفهم الله تعالى بالخور والهلع أي: يظنون كل صيحة يسمعونها كائنة عليهم، والمعنى: يحسبون أنها مهلكتهم، وأنهم هم المقصودون بها جبنا ووجلا، وذلك مثل أن ينادي مناد في العسكر، أو يصيح أحد بصاحبه، أو انفلتت دابة، أو أنشدت ضالة. وقيل: معناه إذا سمعوا صيحة ظنوا أنها آية منزلة في شأنهم، وفي الكشف عن حالتهم، لما عرفوا من الغش والخيانة في صدورهم، ولذلك قيل: المريب خائف.
ثم أخبر سبحانه بعداوتهم فقال: (هم العدو) لك وللمؤمنين في الحقيقة (فاحذرهم) " أن تأمنهم على سرك، وتوقهم (قاتلهم الله) أي أخزاهم ولعنهم.
وقيل. إنه دعاء عليهم بالهلاك، لأن من قاتله الله فهو مقتول، ومن غالبه فهو مغلوب. (أنى يؤفكون) أي أنى يصرفون عن الحق مع كثرة الدلالات. وهذا توبيخ وتقريع وليس باستفهام، عن أبي مسلم. وقيل: معناه كيف يكذبون من الإفك (وإذا قيل لهم تعالوا) أي هلموا (يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) " أي أكثروا تحريكها بالهزء لها استهزاء بدعائهم إلى ذلك. وقيل: أمالوها إعراضا عن الحق، وكراهة لذكر النبي، وذلك لكفرهم واستكبارهم (ورأيتهم) " يا محمد