قد بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي أن يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار. فقال: بل ترفق به، وتحسن صحبته، ما بقي معنا.
قالوا: وسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالناس يومهم ذلك، حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس. فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض، وقعوا نياما. إنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي خرج من عبد الله بن أبي. ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز، فويق البقيع (1)، يقال له بقعاء، فهاجت ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها، وضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ليلا فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة. قيل:
من هو؟ قال: رفاعة. فقال رجل من المنافقين. كيف يزعم أنه يعلم الغيب، ولا يعلم مكان ناقته، ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي؟ فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق، وبمكان الناقة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أصحابه وقال: ما أزعم أني أعلم الغيب، وما أعلمه، ولكن الله تعالى أخبرني بقول المنافق، وبمكان ناقتي. هي في الشعب، فإذا هي كما قال. فجاؤوا بها، وآمن ذلك المنافق.
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد في التابوت وهو أحد بني قينقاع، وكان من عظماء اليهود، وقد مات ذلك اليوم. قال زيد بن أرقم: فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، جلست في البيت لما بي من الهم والحياء، فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد، وتكذيب عبد الله بن أبي. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأذن زيد فرفعه عن الرحل، ثم قال: يا غلام! صدق فوك، ووعت أذناك، ووعى قلبك، وقد أنزل الله فيما قلت قرآنا. وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة فلما أراد أن يدخلها، جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي، حتى أناخ على مجامع طرق المدينة، فقال مالك ويلك قال: والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل. فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل إليه أن خل عنه يدخل. فقال: أما إذا