المعنى: ثم ضرب سبحانه لليهود والمنافقين مثلا فقال: (كمثل الشيطان) أي مثل المنافقين في غرورهم لبني النضير، وخذلانهم إياهم، كمثل الشيطان (إذ قال للإنسان اكفر) وهو عابد بني إسرائيل، عن ابن عباس قال: إنه كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا، عبد الله زمانا من الدهر، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم، ويعوذهم فيبرأون على يده، وإنه أتي بامرأة في شرف قد جنت، وكان لها إخوة فأتوه بها، فكانت عنده. فلم يزل به الشيطان يزين له، حتى وقع عليها، فحملت. فلما استبان حملها قتلها ودفنها. فلما فعل ذلك، ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها، فأخبره بالذي فعل الراهب، وأنه دفنها في مكان كذا. ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا، فذكر ذلك له، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا يكبر علي ذكره! فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك والناس، فاستنزلوه (1)، فأقر لهم بالذي فعل، فامر به فصلب. فلما رفع على خشبته، تمثل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك، أخلصك مما أنت فيه؟ قال: نعم. قال: اسجد لي سجدة واحدة.
فقال: كيف أسجد لك، وأنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالإيماء. فأومى له بالسجود فكفر بالله، وقتل الرجل. فهو قوله (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر).
(فلما كفر قال إني برئ منك) ضرب الله هذه القصة لبني النضير، حين اغتروا بالمنافقين، ثم تبرأوا منهم عند الشدة وأسلموهم. وقيل: أراد كمثل الشيطان يوم بدر، إذ دعا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى الملائكة، رجع القهقري، وقال: إني أخاف الله. وقيل: أراد بالشيطان والإنسان اسم الجنس لا المعهود، فإن الشيطان أبدا يدعو الانسان إلى الكفر، ثم يتبرأ منه، وقت الحاجة، عن مجاهد.
وإنما يقول الشيطان: (إني أخاف الله رب العالمين) يوم القيامة.
ثم ذكر سبحانه أنهما صارا إلى النار بقوله: (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها) يعني عاقبة الفريقين الداعي والمدعو، من الشيطان، ومن أغواه من المنافقين واليهود، أنهما معذبان في النار (وذلك جزاء الظالمين) أي وذلك