لا يقتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعلمون (14) كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم (15)).
القراءة: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: (من وراء جدار) على التوحيد.
والباقون: (من وراء جدر) على الجمع. وفي الشواذ قراءة أبي رجاء، وأبي حية: و (جدر) بسكون الدال.
الحجة: قال أبو علي: المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون معكم للقتال، ولا يبرزون لكم، ولا يقاتلونكم حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور.
فإذا كان كذلك فالمعنى على الجمع، إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونهم من وراء جدار واحد، ولكن من وراء جدر، كما لا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة. فكما أن القرى جماعة، كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعا، فكان المراد في الإفراد الجمع، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد. قال ابن جني: ويجوز أن يكون جدار تكسير جدار، فتكون ألف جدار في الواحد كألف كتاب. وفى الجمع كألف ضرام وكرام، ومثله ناقة هجان ونوق هجان، ودرع دلاص وأدرع دلاص. قال: ومثله قوله سبحانه: (واجعلنا للمتقين إماما) يكون إمام على ما شرحناه.
الاعراب: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) أي من رهبتهم من الله، فحذف. (كمثل الذين مق قبلهم) أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم فحذف المبتدأ.
وكذلك قوله: (كمثله الشيطان).
المعنى: لما وصف سبحانه المهاجرين الذين هاجروا الديار والأوطان، ثم مدح الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان، ثم ذكر التابعين بإحسان، وما يستحقونه من النعيم في الجنان، عقب ذلك بذكر المنافقين، وما أسروه مق الكفر والعصيان فقال:
(ألم تر) يا محمد (إلى الذين نافقوا) فأبطنوا الكفر، وأظهروا الإيمان (يقولون لإخوانكم) في الكفر (الذين كفروا من أهل الكتاب) يعني يهود بني النضير (لئن أخرجتم) من دياركم وبلادكم (لنخرجن معكم) مساعدين لكم (ولا نطيع فيكم) أي في قتالكم ومخاصمتكم (أحدا أبدا) يعنون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. ووعدوهم