المعنى. ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال. (أكفاركم خير) وأشد وأقوى (من أولئكم) الذين ذكرناهم، وقد أهلكناهم. وهذا استفهام إنكار أي: لستم أفضل من فوم نوح وعاد وثمود، لا في القوة، ولا في الثروة، ولا في كثرة العدد والعدة.
والمراد بالخير: ما يتعلق بأسباب الدنيا، لا أسباب الدين. والمعنى: إنه إذا هلك أولئك الكفار، فما الذي يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم. (أم لكم براءة في الزبر) أي: ألكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية. (أم يقولون نحن جميع منتصر) أي: أم يقول هؤلاء الكفار نحن جميع أمرنا، ننتصر من أعدائنا، عن الكلبي، والمعنى. إنهم يقولون نحن يد واحدة على من خالفنا، ننتصر ممن عادانا، فيدلون بقوتهم واجتماعهم. ووحد منتصر للفظ الجميع، فإنه واحد في اللفظ، وإن كان اسما للجماعة، كالرهط والجيش أي. كما أنهم ليسوا بخير من أولئك، ولا لهم براءة، فكذلك لا جمع لهم يمنع عنهم عذاب الله، وينصرهم، وإن قالوا نحن مجتمعون متناصرون، فلا نرام، ولا نفصد، ولا يطمع أحد في غلبتنا.
ثم قال سبحانه: (سيهزم الجمع) أي جمع كفار مكة (ويولون الدبر) أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة. ثم أخبر سبحانه نبيه (ص) أنه سيظهره عليهم، ويهزمهم، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر، فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته. ثم قال سبحانه: (بل الساعة موعدهم) أي: إن موعد الجميع للعذاب يوم القيامة (والساعة أدهى وأمر) فالأدهى الأعظم في الدهاء. والدهاء: عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس. وهو من الداهية أي البلية التي ليس في إزالتها حيلة.
والمعنى: إن ما يجري عليهم من القتل والأسر يوم بدر وغيره، لا يخلصهم من عقاب الآخرة، بل عذاب الآخرة أعظم في الضرر، وأقطع، وأمر أي. أشد مرارة من القتل والأسر في الدنيا. وقيل: الأمر الأشد في استمرار البلاء، لأن أصل المر النفوذ.
ثم بين سبحانه حال القيامة فقال. (إن المجرمين في ضلال وسعر) أي في ذهاب عن وجه النجاة، وطريق الجنة في نار مسعرة، عن الجبائي. وقيل: في ضلال أي في هلاك وذهاب عن الحق، وسعر أي عناء وعذاب (يوم يسحبون) أي يجرون (في النار على وجوههم) يعني. إن هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرهم