ثم ألزمهم سبحانه الحجة وتحداهم فقال: (فليأتوا بحديث مثله) أي مثل القرآن، وما يقاربه في نظمه وفصاحته وحسن بيانه وبراعته. (إن كانوا صادقين) في أنه تقوله محمد (ص)، فإذا لم يقدروا على الإتيان بمثله، فليعلموا أن محمدا (ص) لم يتقوله من تلقاء نفسه، بل هومن عند الله تعالى. ثم احتج عليهم بابتداء الخلق فقال: (أم خلقوا من غير شئ) أي أم خلقوا لغير شئ أي: أخلقوا باطلا لا يحاسبون، ولا يؤمرون، ولا ينهون، ونحو هذا، عن الزجاج. وقيل:
معناه أم خلقوا عبثا، وتركوا سدى، عن ابن كيسان. وهذا في المعنى مثل الأول.
وقيل: معناه أخلقوا من غير خالق ومدبر دبرهم.
(أم هم الخالقون) أنفسهم، فلا يجب عليهم لله أمر، عن ابن عباس. (أم خلقوا السماوات والأرض) واخترعوهما، فلذلك لا يقرون بالله، وبأنه خالقهم (بل لا يوقنون) بأن لهم إلها يستحق العبادة وحده، وانك نبي من جهة الله. (أم عندهم خزائن ربك) أي بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة، فيضعونها حيث شاؤوا، عن مقاتل، وعكرمة. وقيل: أراد خزائن المطر والرزق، عن الكلبي وابن عباس.
وقيل. خزائنه مقدوراته فلا يأتيهم إلا ما يحبون، عن الجبائي (1) (أم هم المسيطرون) أي الأرباب المسلطون على الناس، فليس عليهم مسيطر، ولا لهم ملزم ومقوم. وقيل: معناه أم هم المالكون الناس، القاهرون لهم، عن الجبائي.
(أم لهم سلم) أي مرقى ومصعد إلى السماء (يستمعون فيه) الوحي من السماء، فقد وثقوا بما هم عليه، وردوا ما سواه (فليأت مستمعهم بسلطان مبين) أي بحجة ظاهرة واضحة إن أدعى ذلك. والتقدير: يستمعون عليه، فهو كقوله:
(ولأصلبنكم في جذوع النخل). وإنما قيل لهم ذلك، لأن كل من يدعي ما لا يعلم ببداية (2) العقول، فعليه إقامة البينة والحجة. (أم له البنات ولكم البنون) وهذا تسفيه لأحلامهم، إذ أضافوا إلى الله سبحانه ما أنفوا منه، وهذا غاية في جهلهم، إذ جوزوا عليه سبحانه الولد، ثم ادعوا أنه اختار الأدون على الأعلى. (أم تسألهم أجرا) أي ثوابا على إ داء الرسالة، وعلى ما جئتهم به من الدين والشريعة. (فهم من مغرم مثقلون) أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم، فمنعهم ذلك عن الإيمان بك.