يقولون) أي بل يقولون هو (شاعر نتربص به ريب المنون) أي ننتظر به حدثان الموت، وحوادث الدهر، فيهلك كما هلك من تقدم من الشعراء. والمنون: يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى المنية. وأم هذه (1) المنقطعة بمعنى الترك والتحول، كقول علقمة (2):
هل ما علمت، وما استودعت، مكتوم أم حبلها، إذ نأتك اليوم، مصروم فكأنه قال (3): حبلها مصروم لأن بعده قوله:
أم هل كبير بكى، لم يقض عبرته إثر الأحبة، يوم البين مشكوم (4) ثم قال سبحانه: (قل) لهم يا محمد (تربصوا فإني معكم من المتربصين) أي: إنكم إن تربصتم في حوادث الدهر، فإني منتظر مثل ذلك بكم. وتربص الكفار بالنبي (ص) والمؤمنين قبيح، وتربص النبي (ص) والمؤمنين بالكفار، وتوقعهم لهلاكهم حسن. وقوله: (فتربصوا) وإن كان بصيغة الأمر، فالمراد به التهديد.
(أم تأمرهم أحلامهم بهذا) أي بل تأمرهم عقولهم بما يقولونه لك، ويتربصونه بك. قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول، فأزرى الله سبحانه بعقولهم، حيث لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل.
ثم أخبر سبحانه عن طغيانهم فقال: (أم هم قوم طاغون) وقرأ مجاهد: (بل هم قوم طاغون). وبل في المعنى قريبة من أم هنا، إلا أن ما بعد بل متيقن، وما بعد أم مشكوك فيه. والمعنى: إن عقولهم لم تأمرهم بهذا، ولم تدعهم إليه، بل حملهم الطغيان على تكذيبك. (أم يقولون تقوله) أي افتعل القران وتكذبه من تلقاء نفسه. والتقول: تكلف القول، ولا يقال ذلك إلا في الكذب. (بل لا يؤمنون) أي ليس الأمر كما زعموا، بل ثبت أنه من عند الله، ولكنهم لا يصدقون بذلك عنادا وحسدا واستكبارا.