ومن جر (قوم نوح) حمله على قوله (وفي موسى) أي: وفي قوم نوح، وقوله (وفي موسى إذ أرسلناه) عطف على أحد شيئين إما أن يكون على (وتركنا فيها آية) و (في موسى) أو على قوله (وفي الأرض آيات للموقنين) و (في موسى) أي: وفي إرسال موسى آيات واضحة، وفي قوم نوح آية. ومن نصب فقال (وقوم نوح) جاز في نصبه أيضا أمران كلاهما حمل على المعنى أحدهما: أن قوله (اخذتهم الصاعقة) يدل على (أهلكناهم)، فكأنه قال: وأهلكنا قوم نوح والأخر:
أن قوله: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) يدل على (أغرقناهم) فكأنه قال:
أغرقناهم، وأغرقنا قوم نوح.
اللغة: الركن: الجانب الذي يعتمد عليه، يقال: ركن يركن، وركن يركن أيضا، مثل نصر ينصر. والمليم: الذي أتى بما يلام عليه. والملوم: الذي وقع به اللوم. وفي المثل: (رب لائم مليم، ورب ملوم لا ذنب له). والعتو والتجبر والتكبر واحد. وجمع الريح: أرواح ورياح، ومنه: راح الرجل إلى منزله أي: رجع كالريح. والرميم: الذي انتفى رمه بانتفاء ملاءمة بعضه لبعض. وأما رمه يرمه رما، والشئ مرموم أي: مصلح بملاءمة بعضه لبعض. وأصل الرميم: السحيق البالي من العظم.
المعنى: ثم بين سبحانه ما نزل بالأمم فقال: (وفي موسى) أي وفي موسى أيضا آية (إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) أي بحجة ظاهرة وهي العصا (فتولى بركنه) أي فأعرض فرعون عن قبول الحق، بما كان يتقوى به من جنده وقومه، كالركن الذي يقوى به البنيان. والباء في قوله (بركنه) للتعدية أي جعلهم يتولون (وقال) لموسى (ساحر أو مجنون) أي هو ساحر أو مجنون. وفي ذلك دلالة على جهل فرعون، لأن الساحر هو اللطيف الحيلة، وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل، فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين. (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم أي فطرحناهم في البحر، كما يلقى الشئ في البر. (وهو مليم) أتى بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتو.
(وفي عاد) عطف على ما تقدم أي: وفي عاد أيضا اية أي دلالة فيها عظة وعبرة. (إذ أرسلنا عليهم) أي: حين أطلقنا عليهم (الريح العقيم) وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب، أو تلقيح شجر، أو تذرية طعام، أو نفع