ويدل عليه قوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).
واختلف في كيفية إنزاله فقيل: أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل نجوما إلى النبي (ص). وقيل: إنه كان ينزل جميع ما يحتاج في كل سنة في تلك الليلة، ثم كان ينزلها جبرائيل (ع) شيئا فشيئا، وقت وقوع الحاجة إليه. وقيل: كان بدء إنزاله في ليلة القدر. وروي عن ابن عباس أنه قال: قد كلم الله جبرائيل في ليلة واحدة، وهي ليلة القدر، فسمعه جبرائيل، وحفظه بقلبه، وجاء به إلى السماء الدنيا إلى الكتبة، وكتبوه. ثم نزل على محمد (ص) بالنجوم في ثلاث وعشرين سنة.
وقيل: في عشرين سنة. وإنما وصف الله سبحانه هذه الليلة بأنها مباركة لأن فيها يقسم الله نعمه على عباده من السنة إلى السنة، فتدوم بركاتها. والبركة نماء الخير وضدها الشؤم وهو نماء الشر. فالليلة التي أنزل فيها كتاب الله، مباركة ينمى الخير فيها على ما دبر الله سبحانه لها من علو مرتبتها، واستجابة الدعاء فيها.
(إنا كنا منذرين) أي مخوفين بما أنزلناه من تعذيب العصاة. والإنذار:
الإعلام لموضع الخوف ليتقى، وموضع الأمن ليجتبى. فالله عز اسمه قد أنذر عباده بأتم الإنذار من طريق العقل والسمع. (فيها يفرق كل أمر حكيم) أي في هذه الليلة يفصل ويبين. والمعنى: يقضي كل أمر محكم لا تلحقه الزيادة والنقصان، وهو أنه يقسم فيها الآجال والأرزاق وغيرها من أمور السنة إلى مثلها من العام القابل، عن ابن عباس والحسن وقتادة. وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق، وقد وقع اسمه في الموتى. وقالى عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزيد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.
(أمرا من عندنا) معناه: إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ (إنا كنا مرسلين) محمدا إلى عبادنا، كمن كان قبله من الأنبياء (رحمة من ربك) أي رأفة منا بخلقنا، ونعمة منا عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل، عن ابن عباس. (إنه هو السميع) لمن دعاه من عباده (العليم) بمصالحهم (رب السماوات والأرض) أي خالقهما ومدبرهما (وما بينهما إن كنتم موقنين) بهذا الخبر، محققين له، وهو أنه (لا إله إلا هو) لا يستحق العبادة سواه (يحيي) الخلق بعد موتهم (ويميت) أي