ولقائل أن يقول أن الملوك قد يؤمرون الامراء على الجيوش لوجهين: أحدهما أن يقصد الملك بتأمير ذلك الشخص أن يسوس الجيش ويدبره بفضل رأيه وشيخوخته وقديم تجربته وما عرف من يمن نقيبته في الحرب وقود العساكر، والثاني أن يؤمر على الجيش غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله، ويأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه ويعلموه، ويأمره أن يتدبر بتدبيرهم، ويرجع إلى رأيهم، ويكون قصد الملك من ذلك تخريج ذلك الغلام وتمرينه على الامارة، وأن يثبت له في نفوس الناس منزلة، وأن يرشحه لجلائل (1) الأمور ومعاظم الشؤون، ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل، وفى الوجه الثاني لا يقبح، فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما من قبيل الوجه الثاني؟ والحال يشهد لذلك، لان أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة حين قبض النبي (صلى الله عليه وآله)، فمن أين حصل له من تجربة الحرب وممارسة الوقائع وقود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبى بكر وعمر وأبى عبيدة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم!
ومنها قول قاضي القضاة: إن السبب في كون عمر في الجيش أنه أنكر على عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة تسخطه إمرة أسامة، وقال: أنا أخرج في جيش أسامة، فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد اعترضه المرتضى فقال:
هذا شئ لم نسمعه من راو، ولا قرأناه في كتاب، وصدق المرتضى فيما قال، فإن هذا حديث غريب لا يعرف.
وأما قول عمر: دعني أضرب عنقه فقد نافق، فمنقول مشهور لا محالة، وإنما الغريب الذي لم يعرف كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش مراغمة لعبد الله بن عياش ابن أبي ربيعه، حيث أنكر ما أنكر، ولعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب، إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك.