قلت: قد ذكرنا فيما تقدم القول في تولية الملك بعض أصحابه، وترك تولية بعضهم، وكيفية الحال في ذلك، على أنه قد روى أصحاب المغازي أنه أمر أبا بكر في شعبان من سنة سبع على سرية بعثها إلى نجد فلقوا جمعا من هوازن فبيتوهم (1)، فروى إياس بن سلمة عن أبيه قال: كنت في ذلك البعث، فقتلت بيدي سبعة منهم، وكان شعارنا: " أمت أمت "، وقتل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) قوم، وجرح أبو بكر وارتث (2) وعاد إلى المدينة، على أن أمراء السرايا الذين كان يبعثهم (صلى الله عليه وآله) كانوا قوما مشهورين بالشجاعة ولقاء الحروب، كمحمد بن مسلمة، وأبى دجانة، وزيد بن حارثة ونحوهم، ولم يكن أبو بكر مشهورا بالشجاعة ولقاء الحروب، ولم يكن جبانا ولا خوارا (3) وإنما كان رجلا مجتمع القلب عاقلا، ذا رأى وحسن تدبير، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يترك بعثه في السرايا، لان غيره أنفع منه فيها، ولا يدل ذلك على أنه لا يصلح للإمامة، وأن الإمامة لا تحتاج أن يكون صاحبها من المشهورين بالشجاعة، وإنما يحتاج إلى ثبات القلب، وألا يكون هلعا طائر (4) الجنان. وكيف يقول المرتضى: إنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن محتاجا إلى رأى أحد، وقد نقل الناس كلهم رجوعه من رأى إلى رأى عند المشورة، نحو ما جرى يوم بدر من تغير المنزل لما أشار عليه الحباب بن المنذر، ونحو ما جرى يوم الخندق من فسخ رأيه في دفع ثلث تمر المدينة إلى عيينة بن حصن ليرجع بالأحزاب عنهم، لأجل ما رآه سعد بن معاذ وسعد بن عبادة من الحرب، والعدول عن الصلح، ونحو ما جرى في تلقيح النخل بالمدينة وغير ذلك! فأما ولاية أبى بكر الموسم فأكثر الاخبار على ذلك، ولم يرو عزله عن الموسم إلا قوم من الشيعة.
(١٩٩)