وأن وقف تصرفه على اختياره، وصار ذلك عندهم بمنزلة أن يختار المسلمون واحدا يحكم بينهم، ثم يموت من رضى بذلك، فإن تصرفه يبقى على ما كان عليه وقال قوم من أصحابنا: ينعزل، وإن هذا النوع من التصرف لا يستفاد إلا من جهة الامام ولا يقوم به غيره، وإذا ثبت أن أسامة قد بطلت ولايته لم تبق تبعة (1) على أبى بكر في الرجوع من بعض الطريق إلى المدينة.
* * * وخامسها: أن أمير المؤمنين عليه السلام ولى أبا موسى الحكم، وولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد السرية إلى الغميصاء (2) وهذا الكلام إنما ذكره قاضي القضاة تتمة لقوله: إن أمره عليه السلام بنفوذ بعث أسامة كان مشروطا بالمصلحة، قال:
كما أن توليته (عليه السلام) أبا موسى كانت مشروطة باتباع القرآن، وكما أن تولية رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد كانت مشروطة بأن يعمل بما أوصاه به، فخالفا ولم يعملا الحق، فإذا كانت هذه الأوامر مشروطة فكذلك أمره جيش أسامة بالنفوذ كان مشروطا بالمصلحة وألا يعرض ما يقتضى رجوع الجيش أو بعضه إلى المدينة، وقد سبق القول في كون الامر مشروطا.
وسادسها: أن أبا بكر كان محتاجا إلى مقام عمر عنده ليعاضده (3) ويقوم في تمهيد أمر الإمامة ما لا يقوم به غيره، فكان ذلك أصلح في باب الدين من مسيره (3) مع الجيش، فجاز أن يحبسه عنده لذلك، وهذا الوجه مختص بمن قال: إن أبا بكر لم يكن في الجيش، وإيضاح عذره في حبس عمر عن النفوذ (5) مع الجيش.