لو جاز أن تكون السرايا والحروب عن اجتهاده، لجاز أن تكون الاحكام كلها عن اجتهاده. وأيضا فإن الصحابة كانوا يراجعونه في الحروب وآرائه التي يدبرها بها ويرجع (عليه السلام) إليهم في كثير منها بعد أن قد رأى غيره. وأما الاحكام فلم يكن يراجع فيها أصلا، فكيف يحمل أحد البابين على الاخر.
فأما قوله: لو كانت عن اجتهاد لوجب أن يحرم مخالفته فيها وهو حي، لا فرق بين الحالين، فلقائل أن يقول: القياس يقتضى ما ذكرت، إلا أنه وقع الاجماع على أنه لو كان في الاحكام أو في الحروب والجهاد ما هو باجتهاده لما جازت مخالفته، والعدول عن مذهبه وهو حي لم يختلف أحد من المسلمين في ذلك، وأجازوا مخالفته بعد وفاته بتقدير أن يكون ما صار إليه عن اجتهاد، والاجماع حجة. فأما قول قاضي القضاة: لان اجتهاده وهو حي أولى من اجتهاد غيره، فليس يكاد يظهر، لان اجتهاده، وهو ميت أولى أيضا من اجتهاد غيره، ويغلب على ظني أنهم فرقوا بين حالتي الحياة والموت، فإن في مخالفته وهو حي نوعا من أذى له، وأذاه محرم لقوله تعالى: ﴿وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله﴾ (1)، والأذى بعد الموت لا يكون، فافترق الحالان.
* * * وثالثها: أنه لو كان الامام منصوصا عليه لجاز أن يسترد جيش أسامة أو بعضه لنصرته، فكذلك إذا كان بالاختيار، وهذا قد منع منه المرتضى، وقال: إنه لا يجوز للمنصوص عليه ذلك، ولا أن يولى من عزله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا أيعزل من ولاه رسول الله (صلى الله عليه وآله).