ومعنى قوله: " من الإقامة على العذر "، أي أسأل الله أن يوفقني للإقامة على الاجتهاد، وبذل الوسع في الطاعة، وذلك [لأنه (1)] إذا بذل جهده فقد أعذر، ثم فسر اجتهاده في ذلك في رضا الخلق، ولم يفسر اجتهاده في رضا الخالق، لأنه معلوم، فقال: هو حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد.
فإن قلت: فقوله " وتمام النعمة " على ماذا تعطفه؟
قلت، هو معطوف على " ما " من قوله " لما فيه "، كأنه قال: أسال الله توفيقي لذا ولتمام النعمة، أي ولتمام نعمته على، وتضاعف كرامته لدى، وتوفيقه لهما هو توفيقه للأعمال الصالحة التي يستوجبهما بها.
* * * [فصل في ذكر بعض وصايا العرب] وينبغي أن يذكر في هذا الموضع وصايا من كلام قوم من رؤساء العرب أوصوا بها أولادهم ورهطهم، فيها آداب حسان، وكلام فصيح وهي مناسبة لعهد أمير المؤمنين عليه السلام هذا، ووصاياه المودعة فيه، وإن كان كلام أمير المؤمنين عليه السلام أجل وأعلى من أن يناسبه كلام، لأنه قبس من نور الكلام الإلهي، وفرع من دوحة المنطق النبوي.
روى ابن الكلبي قال: لما (2) حضرت الوفاة أوس بن حارثة أخا الخزرج، لم يكن له ولد غير مالك بن الأوس، وكان لأخيه الخزرج خمسة، قيل له: كنا نأمرك بأن تتزوج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت، ولا ولد لك إلا مالك! فقال: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد، فلعل الذي استخرج .