ألا ترى أنا نقول: أبو دجانة أفضل من أبى بكر بجهاده بالسيف في مقام الحرب، ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل منه مطلقا، لان في أبى بكر من خصال الفضل ما إذا قيس بهذه الخصلة أربى عليها أضعافا مضاعفة.
* * * الطعن الرابع قالوا: إن أبا بكر كان في جيش أسامة، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرر حين موته الامر بتنفيذ جيش أسامة، فتأخره يقتضى مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فإن قلتم:
إنه لم يكن في الجيش، قيل لكم: لا شك أن عمر بن الخطاب كان في الجيش، وأنه حبسه ومنعه من النفوذ مع القوم، وهذا كالأول في أنه معصية، وربما قالوا: إنه (صلى الله عليه وآله) جعل هؤلاء القوم في جيش أسامة ليبعدوا بعد وفاته عن المدينة، فلا يقع منهم توثب على الإمامة، ولذلك لم يجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك الجيش، وجعل فيه أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وذلك من أوكد الدلالة على أنه لم يرد أن يختاروا للإمامة (1).
أجاب قاضي القضاة بأن أنكر أولا أن يكون أبو بكر في جيش أسامة، وأحال على كتب المغازي، ثم سلم ذلك وقال: إن الامر لا يقتضى الفور، فلا يلزم من تأخر أبى بكر عن النفوذ أن يكون عاصيا. ثم قال: إن خطابه (صلى الله عليه وآله) بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجها إلى القائم بعده، لأنه من خطاب الأئمة وهذا يقتضى ألا يدخل المخاطب بالتنفيذ في الجملة: ثم قال، وهذا يدل على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه، لأنه لو كان لأقبل بالخطاب عليه، وخصه بالامر بالتنفيذ دون الجميع.