آخر فربما لا يتهيأ له أن يدفن عنده، فرأى أن هذا الفوز بهذا الشرف العظيم، وهذا المكان الجليل، مما لا يقتضى حسن التدبير فوته، وإن انتهاز الفرصة فيه واجب، فروى لهم الخبر، فلا يمكنهم بعد روايته ألا يعملوا به، لا سيما وقد صار هو الخليفة، وإليه السلطان والنفع والضرر، وأدرك ما كان في نفسه، ثم نسج عمر على منواله، فرغب إلى عائشة في مثل ذلك، وقد كان يكرمها ويقدمها على سائر الزوجات في العطاء وغيره، فأجابته إلى ذلك، وكان مطاعا في حياته وبعد مماته، وكان يقول: واعجبا للحسن وطمعه في أن يدفن في حجره عائشة والله لو كان أبوه الخليفة يومئذ لما تهيأ له ذلك، ولا تم لبغض عائشة لهم، وحسد الناس إياهم وتمالأ بنى أمية وغيرهم من قريش عليهم! ولهذا قالوا: يدفن عثمان في حش كوكب (1)، ويدفن الحسن في حجره رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكيف والخليفة معاوية والامراء بالمدينة بنو أمية، وعائشة صاحب الموضع، والناصر لبني هاشم قليل، والشانئ كثير.
وأنا أستغفر الله مما كان أبو المظفر يحلف عليه، وأعلم وأظن ظنا شبيها بالعلم أن أبا بكر ما روى إلا ما سمع، وأنه كان أتقى لله من ذلك.
* * * الطعن التاسع قولهم: " إنه نص على عمر بالخلافة، فخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على زعمه، لأنه كان يزعم هو ومن قال بقوله أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستخلف.